إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
متن الحديث
“روى الإمام البيهقي رحمه الله عن عائشة أم المؤمنين: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه”.
الراوية: “عائشة أم المؤمنين” صححه “الألباني” في “الصحيحة” نظراً لكثرة شواهده. المصدر: “صحيح الجامع” 1880.
شرح حديث ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه
(إن الله يحب…)
الحب صفة من صفات الله عز وجل الفعلية الثابتة لرب العزة بالكتاب والسنة، فقد جاء في كتابه عز وجل قَولُه: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]،
أما في السنة فقد ورد في حديث سعد بن أبي وقاص عنه مرفوعاً:(إنَّ اللهَ يُحِبُّ العبدَ التَّقِيَّ، الغَنيَّ، الخَفيَّ).
وهناك الكثير من أسباب محبة الله سبحانه لعباده، فمنها ما هو جلي وهو ما يظهر للعباد من عبادات ظاهرة، ومنها ما هو خفي فلا يظهر للعباد. فنذكر من الأسباب الجلية لمحبة الله عز وجل:
- الإتيان بالفرائض والرواتب: وذلك لما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رب العزة في الحديث القدسي:(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، و ما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و إن سألني أعطيته، و لئن استعاذني لأعيذنه).
فهنيًأ لمن تقرب إلى الله عز وجل حتى أحبه وكان وليه ونصيره.
- المداومة على ذكر الله عز وجل:
ذلك لقوله تعالى : {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً و أجراً عظيما}
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : ((أنا عند ظن عبدي بي، و أنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، و إن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم)).
وخير الذكر هو كلام الله عز وجل، لكونه صلة العبد بربه فمنه يعلم ويدرك المسلم حدود ربه ونواهيه ويتعظ من قصص السابقين، لذا قال تعالى فيهم : {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً و علانية يرجون تجارة لن تبور}
أما الأسباب الخفية، فنذكر منها:
- حسن الاتباع والانقياد لأحكام الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
ذلك لقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم، قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}.
فحسن الاتباع من أكثر الأسباب للفوز بمحبة الله عز وجل، وقد قال بعض السلف أن سبب نزول قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني …}، هو ادعاء قومٍ محبة الله عز وجل.
فسميت آية المحنة؛ لكون الله عز وجل جعل علامة محبة العبد لربه، في الإتباع وحسن الانقياد لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة بهدي سلف الأمة.
- الصبر:
وذلك إمتثالًا لقول الله عز وجل{يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا}
و حث النبي صلى الله عليه و سلم على الصبر، و رغب فيه في أحاديثٍ كثيرة منها : (و من يَتَصَبَّر يصبِّرُه الله، و ما أُعطي أحدٌ عطاء خيراً و أوسع من الصبر).
فالصبر من الأسباب الخفية لمحبة الله عز وجل، وللصبر ثلاث أنواع وهم:
- الصبر على الطاعة: وفيها يصبر العبد على الطاعة، وثقل إلزام النفس بها والصبر على مشقتها.
- الصبر عن المعاصي: وفيها يصبر العبد على تحريض النفس على القيام بها، والصبر على الابتعاد عنها.
- الصبر على القدر: فهناك أقدار تؤلم الإنسان، فإن صبر عليها واحتسب كان من أكثر الأسباب الخفية لمحبة الله عز وجل.
- الصبر سبب جليل من أسباب محبة الله تعالى لعبده، فليحرص عليه العبد بأنواعه الثلاثة : فليصبر على طاعة الله سبحانه، و ليصبر على معاصيه، و ليصبر على أقداره المؤلمة.
كانت تلك بعض من الأسباب التي تجلب للعباد محبة الله عز وجل، فمن منا لا يحرص على أن يفوز بمحبته ورضاه؟ .
اذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه
هنا ربط الرسول صلى الله عليه وسلم محبة الله عز وجل بأمرين، الأول العمل والثاني شرط للعمل الذي يحبه الله سبحانه أن يكون العمل متقناً.
فقال بعض العلماء: وذلك لأنّ الإمداد الإلهي ينزل على العامل بحسب عمله فكل من كان عمله أتقن وأكمل فالحسنات تضاعف إذا أكثر العبد أحبه الله تعالى اهـ.
فعندما يتقن العبد العمل ويستحضر نية عمله بأنه يستعفف عن سؤال الناس وطلب الحاجة منهم، أفضل وأغنى وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله).
واستغناء العبد عن حاجه الناس لابد من العمل بإتقان وتقوى الله عز وجل فيه، لأن الإتقان في العمل يكن بدافع الأمانة والإخلاص في العمل.
لذلك قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
سنجد في الآية دليل جلي وواضح على حث المؤمنين للإتقان في العمل، وأن الله سبحانه سيخبرنا يوم القيامة من منا أحسن عمله في الدنيا وأتقنه ليأخذ أجره في الآخرة.
أما دليل الإتقان في العمل من سنة النبوية فهناك الكثير من الأحاديث الدالة على هذا، ونذكر لك منها أخي الكريم قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ).
وفيه يحث الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين على إتقان عملهم، وأن العمل المتقن سيضاعف له الأجر مرتين.
وفي نهاية الشرح “ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه”سنجد أن الحديث هنا لا يحث المسلمين فقط على العمل أو إنهاء العمل وحسب، بل أن محبة الله عز وجل للعباد مشروطة بإتقان العمل وليس أن يتم عمله دون مراعاة تقوى الله سبحانه.
لهذا قال الحسن البصري رحمه الله: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كَسَبَ طَيِّبًا وَأَنْفَقَ قَصْدًا وَوَجَّهَ فَضْلا، وَجِّهُوا هَذِهِ الْفُضُولَ حَيْثُ وَجَّهَهَا اللَّهُ. وَضَعُوهَا حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا أَنْ تُوضَعَ، فَإِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْفَضْلِ مِنَ اللهِ، وَإِنَّ هَذَا الْمَوْتَ قَدْ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا فَفَضَحَهَا. فَوَاللهِ مَا وُجِدَ بَعْدُ ذُو لُبٍّ فَرِحًا. (المصدر: مصنف ابن أبي شيبة)
فوائد حديث ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه
هنا أخي الكريم نأتي لتدبر أوجه الاستفادة التي قد تم على أفئدتنا وعقولنا وحياتنا من تعلم وفهم حديث “ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه”، والتي يمكننا الإشارة من خلاله على النقاط التالية:
- لعل من أقرب الأمور لقلوبنا المستفادة من هذا الحديث، هو إثبات صفة المحبة لله عز وجل.
- إثبات صفة الكره لله سبحانه وتعالى، لذلك سنجد في نفس السياق أن عدم إتقان العمل من الأمور التي تجلب كره الله لهذا التصرف من عباده.
- حث المسلمين على إتقان العمل، سواء كان هذا العمل من أعمال الدين أو الدنيا، فيجب عليه في جميع الأحوال الإتقان وتقوى الله عز وجل في عمله.
- فهمك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم “ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه” للأسباب التي تجعلك متقن لعملك، والتي من أهمها الفوز بمحبة الله عز وجل، ستجعلك حريصا على العمل وإتقانه في الوقت ذاته.
- دعوة أهل العلم والدعاة على الحرص في إتقان عملهم، لأن نتيجة إتقانهم لدعوتهم عم النفع والفائدة على الناس.
- لا يوجد عمل متقن دون علم متقن، لذلك تجد من فوائد الحديث الحرص على طلب العلم لإتمام العمل بعناية وتوفيق.
- لن نجد أفضل من الدعوة إلى الله وإلى الإسلام من العمل المتقن وحسن الخلق، لكونك في تلك الحالة ستعطي انطباع عنك بأنك إنسان أمين ومخلص.
إذا طبق كل مسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم “ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه” أتقن كل فرد في المجتمع عمله، سنجد في النهاية مجتمع متكامل دينياً و علمياً وعملياً واجتماعياً، وفي كل نواحي أمور دنياه ستجده مجتمع قيم يتقى الله عز وجل في كل شئونه.