حديث رفقا بالقوارير

لفظ الحديث النبوي

“كانَ النبيُّ ﷺ في مَسِيرٍ له، فَحَدَا الحَادِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْفُقْ يا أنْجَشَةُ، -ويْحَكَ- بالقَوَارِيرِ“.

وعن أنس رضي الله عنه، قال: كانت أم سليم في الثقل، وأنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم يسوق بهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أنجش، رويدك سوقك بالقوارير» أخرجه البخاري

ولأن رسالات النبي ﷺ هي المبتدأ والمنتهى، كانت هذه الرسالة اللامعة من أعظم المعاني التي تركها النبي ﷺ إرثًا لأمته، كلمتان صغيرتان كانتا الأساس في بيان معدن المرأة النفيس وهو الرقة والرحمة.

 

صحة حديث رفقا بالقوارير

الحديث حديث صحيح لكن اللفظ الثابت في الصحيحين ما ذكرناه آنفا في قوله عليه الصلاة والسلام رويدك سوقك بالقوارير، وبهذا نعرف: تخريج حديث رفقا بالقوارير

 

راوي حديث رفقا بالقوارير

أنس بن مالك بن النضر، صحابي جليل وهو خادم رسول الله ﷺ، أمه أم سليم بنت ملحان، كنّاه النبي ﷺ بأبي حمزة، وُلد قبل الهجرة بعشر سنوات، ولم يتخلف عن أي غزوة مع النبي ﷺ، لازم النبي ﷺ فظفر بدعائه المستجاب، وروى عن النبي ﷺ الكثير واستقى منه علمًا جمًّا، فكان أنس الإمام والمفتي والمحدث، وكان الصحابة يرجعون إليه في الفتوى والرواية، وهو آخر من مات من الصحابة عام 93 في البصرة على الأرجح، وكان عمره حينئذ 130 عامًا.

 

ما معنى رفقا بالقوارير

يروي لنا أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ خرج في سفرٍ وكان معه غلام يحدو بالنساء، أي يُسرع السوق بهن، والحدو هو أن يسوق الشخص الإبل ويغني لها لتسرع في المشي، وكان الغلام اسمه أنجشة، وكان صوته حسنٌ، فقال له النبي ﷺ “رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ سَوْقَكَ بالقَوَارِيرِ”، أي تمهل في سوقك بالنساء، ومن هذا المعنى نتأمل رحمة النبي ﷺ ورفقه بأمته خاصة الضعفاء كالأطفال والنساء، فشبّه النبي ﷺ النساء بالقوارير -من الزجاج- لضعفهن ورقتهن، فكأن المعنى: سُق الإبل بتمهّل كما تُساق إذا كان عليها قوارير، لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في السير وأتعبت الراكب، فنهيُ النبي ﷺ  هنا كان من أجل ألا يتعب النساء بسبب السرعة وشدة الحركة، ومنعًا من إلحاق الضرر بهن.

والإسلام يعتز بالمرأة، ويصونها، ويعتبر حصانتها أساس حياتها، من هنا أحاطها بسياج من وسائل الحفظ والتكريم، حتى في الجنة، وصفها القرآن الكريم بقوله {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72]، {وعندهم قاصرات الطرف عين* كأنهن بيض مكنون} [الصافات: 48 – 49]، {وحور عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون} [الواقعة: 22 – 23]

حرص الإسلام على راحتها إن هي أقامت، فأوجب لها على الرجل السكنى والنفقة والكسوة والمعاشرة بالمعروف وإن هي سافرت، حتى لا تسافر مسافة قصر بدون زوج أو محرم، تركب ويمشي الرجل، وعليه أن يهيئ لها في مركبها ما يريحها من هودج وفراش وثير، ومشي وئيد، بل وأن يحدو لها ، لينعشها في سفرها، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر ببعض نسائه، فيهيئ لهن الركائب، ويعد لهن الهوادج، ويخصص لهن عبدا خادما، يقودهن، ويراعي مصالحهن، ولا يكتفي صلى الله عليه وسلم بذلك، بل يرعى بنفسه شئونهن، ويتعهد أحوالهن، فيذهب إلى رحلهن بنفسه، يطمئن عليهن، ويوصي بهن وبراحتهن، فيقول للخادم: يا أنجشة، ارفق بهن في سوقك، وارفق بهن في حدوك، فإنهن كالقوارير، فهل رأيت حنانا ورقة وعطفا على النساء مثل هذا؟ صلى الله عليه وسلم.

والمعنى الآخر: أن أنجشة كان حسن الصوت فكره أن يسمعن الحداء فإن حسن الصوت يحرك من نفوسهن فنهى عن ذلك حفاظا عليهن.

اقرأ معنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض

معنى القوارير ولماذا شبهن به

القوارير أي الزجاج وشبههن بها؛ لأنهن عند حركة الإبل بالحداء وزيادة مشيها به يخاف عليهن السقوط، فيحدث لهن ما يحدث بالقوارير من التكسر

 

 

من الظلمات إلى النور

كانت سمية مولاةً لأبي جهل، وسمية امرأة ضعيفة أسلمت، وكان أبو جهل يراودها على ترك الإسلام وتأبى.. يراودها وتأبى، حتى طعنها برمح فماتت فكانت أول شهيدة في الإسلام، أول شهيدة في الإسلام كانت امرأة، وكون أول من استشهد في الإسلام امرأة هذا فيه معنى كبير جدًا بالنسبة للنساء ألا يكنّ متأخرات، وألا يعتبرن أنفسهن دائمًا وراء الخطوط، فالمرأة لها مكانتها في الإسلام، وبالتالي لا بد أن يعتبرن أنفسهن من المسؤولات عن هذا الدين، كانت هذه لمحة بسيطة عن التعامل مع النساء بوحشية في الجاهلية وإهدار حقوقهن ومكانتهن، وهذا ليس الموقف الوحيد بل كانت هناك مواقف أخرى، والأنموذج هنا كان سمية.

وعلى ناحيةٍ أخرى، وفضلًا عن البلاغة التي أوتيها النبي ﷺ في حديثه في كثير من الأمثلة والتشبيه التي يرجع مقصدها جميعًا إلى فهم طبيعة النساء وضعفهن كونهن ضعيفات أجسامًا وقلوبًا، ننظر إلى تعامل النبي ﷺ مع النساء ورحمته بهن، فقد كان تكريمه للمرأة (أُمًا) حينما سأله رجل من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك، وتكريمه للمرأة (أختًا وابنة) في حديثه ﷺ: “من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فأحسَنَ صحبتهن واتقى الله فيهن، فله الجنة”، وتكريمه للمرأة (زوجة) حينما قال: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” هذه من مظاهر رفقته ﷺ بالنساء ولنا فيه أسوة حسنة، فقد كان النبي ﷺ لا يغضب من زوجاته لنفسه بل يغضب إذا كان الخطأ في حق الله.

ومن مظاهر رحمته وتكريمه للنساء أيضًا أنه كان يخصص يومًا للنساء يعلمهن فيه أحكام الدين، وكان آخر وصيته ﷺ في حجة الوداع: “استوصوا بالنساء خيرًا”، وقد أقر النبي ﷺ بأن المرأة لا تقل أهمية عن الرجل، فكلٌّ راعٍ ومسؤول أمام الله عز وجل، والإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة، حقوقًا تنسجم مع طبيعتها وشخصيتها وقدراتها وكفاءتها، هذا هو المنهج النبوي، وهذا هو المجتمع الذي يهدف الإسلام إلى بناءه، فقد أقرّ القرآن والسنة النبوية على وحدة الأمة الإسلامية، فالرجال والنساء لكل منهم شخصيته ومكانته في المجتمع الإسلامي.

كما يظهر جليا معاملة الإسلام للمرأة والوصية بها في حديث “ المؤنسات الغاليات ” كما شرحناه

من الأحاديث النبوية:  فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام

 

طبيعة المرأة

النساء عاطفيات بدرجة عالية لا يتصورها الرجال، تؤثر فيهم الكلمة سواء كانت سلبية أم إيجابية تأثيرًا بالغًا، لذلك أوصى النبي ﷺ بالنساء خيرًا، فالرجل العاقل هو الذي يحسن لزوجته ويرعاها، أما من يلقي الأوامر عليها أمرًا تلو الأمر كأنهما في ثكنة عسكرية فضلًا من أن يلعن ويضرب فهذا يعتبر من سوء الأخلاق وليس من الإسلام في شيء، فالنساء يحتجن إلى كلمات حانية تتناسب مع رقتهن وأنوثتهن، والنبي ﷺ له الكثير من المواقف، وله منهج قويم في التعامل مع النساء نستقي منه لنحذوا حذوه.

 

نماذج نبوية في الرفق بالقوارير

هذه صفية رضي الله عنها زوج النبي ﷺ، وفي جمع أمام الناس يثني النبي ﷺ ركبتيه لتركب السيدة صفية الناقة، بل يوقف قافلة الحجاج بأكملها بسبب دموع صفية فيمسحها بيده الشريفة إكرامًا لها، وهو موقف جميل من النبي ﷺ.

وهنا النبي ﷺ يكرم هالة وصديقات خديجة رضي الله عنها وفاءً وبرًا بها وحفظًا لعهدها، فكان يرسل إليهم الهدايا، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة”، فقد كانت نعم الزوجة للنبي ﷺ، وأكرمها ربها ببيت في الجنة.

وأما عائشة رضي الله عنها فقد حماها النبي ﷺ من أبيها عندما أراد أن يضربها لأنها رفعت صوتها على النبي ﷺ.

وكانت عائشة يناديها النبي ﷺ بـ عائش كنوع من التدليل، قال: “يا عائش، هذا جبريل، يقرئكِ السلام، فقلتُ: وعليه السلام ورحمة اللَّه وبركاته، ترى ما لا أرى” -تريدُ رسول الله ﷺ-.

وفي غزوة بني المصطلق أوقف النبي ﷺ الجيش بأكمله إلى أن تجمع عائشة حبات العقد الذي انفرط منها في الرمال.

وكان النبي ﷺ إذا مرضت زوجة من زوجاته مكث بجوارها يداويها ويمرضها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله ﷺ إذا مرِض أحدٌ من أهله نفثَ عليهِ بالمعوِّذات”

 

هكذا كانت حياة النبي ﷺ، وبالرغم من كثرة أعبائه ومسئولياته إلا أنه لم يتغاضى عن مشاعر زوجاته ورحمته وشفقته بنساء المسلمين عامة، هذه مواقف النبي ﷺ كانت بمثابة منبه للرجال لأن يقفوا على تلك المواقف للاستفادة منها في بيوتهم وحياتهم، لأن بعض الرجال يعتقد أن في احترام الزوجة وتقديرها تقليل من شأنه ونقص في رجولته، ولكن العكس صحيح، فتقدير مشاعر الزوجة واحترامها يجعل الزوجة تكن لزوجها كل الاحترام والاعتراف بكرمه وفضله، والنبي ﷺ خير قدوة فقد كان يعيش بين أزواجه بقلب رحيم عطوف، وفي جو يسوده الحب والحنان والمودة، والنبي ﷺ من مواقفه وتعامله مع النساء يعلّم البشرية آداب الرحمة والرفق وأساس الاحترام بين الناس، وهذا منهج الشرفاء.

نقدم لكم شرح حديث العين حق

دعاء النبي ﷺ لأنس بن مالك

شرح حديث تزوجوا الودود الولود

شرح حديث ليس منا من لم يرحم صغيرنا

فوائد من حديث رفقا بالقوارير

  • إباحة إنشاد الشعر الحسن أثناء سوق الإبل أو السفر.
  • رفق النبي ﷺ ورحمته بأمته خاصة الضعفاء مثل النساء والأطفال.
  • مشروعية السفر بالنساء مع محارمهن
  • البلاغة التي أوتيها النبي ﷺ.
  • تشبيه النساء بالقوارير يعتبر أفضل تشبيه بديع استُعمل في التعبير عن النساء.
  • هذا الحديث فيه رد على من نهى عن قول الشعر قليله أو كثيره.
  • بيان كمال خلق النبي ﷺ في حسن تعامله مع الخدم.
  • اعتناء الإسلام بالمرأة، وحفظ مكانتها وصونها.
  • تربية الأبناء على تعظيم قدر المرأة كما علّمنا النبي ﷺ اقتداءً به.
Scroll to Top