إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها

 شرح حديث إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها

أحبائي في الله نسرد لكم اليوم شرح حديث “إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، لكونه من الأحاديث الجامعة لأبواب الخير، لذلك سنقطف من بستان فائدته بعض الدروس والعبر التي نحي بها قلوبنا.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ).

راوي الحديث: الإمام على بن أبي طالب (رضي الله عنه).

المحدث: الألباني.

المصدر: صحيح الترمذي/1984.

حكم الحديث: حسن.

 

 شرح حديث إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها

سنتوقف الآن  في شرحه ليصلك بفهم سهل ومعبر.

 (إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها): 

الغرف هنا جمع الغرفة، وهي أفضل موضع بالبيت، والجنة ليست جنة واحدة بل جنات وبها غرف.

وبنيان الجنة ليست من الحجارة ولكنها من اللؤلؤ والياقوت والذهب والفضة كما أخبر النبي صلى عليه وسلم، بالرغم من ذلك ستجد فيها غرف شفافة نقية. لدرجة أنك سترى ما بداخلها وسيرى من بخارجها داخلها.

وفي رواية أخرى لأحمد وابن حبان و البيهقي: “يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا”

وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على كم شفافيتها وصفائها، لكونها لا تحجب رؤية الناظرين إليها، وقد خصها الله سبحانه لأناس بهم صفات محددة.

وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

“إن أهل الجنة ليتراؤن أهل الغرف في الجنة، كما ترون الكواكب إلى السماء”.

 

فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ فقالَ لمن

وهنا يدل على حرص الأعرابي على الفوز بتلك المنزلة، وأن وصف النبي صلى الله عليه وسلم للجنة لمس قلبه وأثار شغفه للفوز بتلك المنزلة في الجنة.

 

فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ

وهنا بدأ يسرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات أهل الجنة من ساكني تلك الغرف، قال: 

لمن أطاب الكلام

فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بصفة طيب الكلام، وهي من أشد صفات وسمات المؤمن حسن الخلق، وهو أن يكن هيناً ليناً طيب القول. 

وليس فقط مع أهل الفضل بل يكن كذلك أيضاً مع الجاهلين أو المسيئين له.

وذلك انقيادًا لقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، فطيب الكلام ولين القول يقلل العداوة بين الناس ويحد من الخصومة ويؤلف بين القلوب.

 ليفز العبد نتيجة لصبره وحسن خلقه في قوله تعالى: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا}.

لذا سنجد قول أحد الحكماء: أن الكلام باللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوانح. 

 

أطعم الطعام

المقصود بها هنا ليس فقط اطعام الفقراء  والمساكين، بل إطعام المرء أهله وإعداد المرأة الطعام لضيوفها وأهل بيتها تدخل في باب إطعام الطعام أيضا، إذا أحسنت النوايا واحتسبت الأجر وأخلصتها لله عز وجل.

بل ويدخل في باب إطعام الطعام هنا الحيوانات والبهائم أيضاً وليس فقط للإنسان، فمن رحمة الله على خلقه أن يجعل بيننا رحماء لسائر مخلوقاته. 

ويظل المؤمن يطرق كل أبواب الخير لتصل به لجنة ربه ورضاه عليه.

 

أدام الصيام 

أي أكثر من صيامه بعد أن أتم الفريضة، ولم يتوقف عن السنن والفرائض في صيامه، فمن أدام على صيام نافلة فهو ممن أدام الصيام، بجانب الفرض.

فليس المقصود هنا أن يصوم الإنسان ولا يفطر أبد الدهر، لكن المقصود أن يكون حريصا على الإتيان بالنوافل قدر استطاعته.

 

وصلى بالليل والناس نيام

وهنا حث على صلاة القيام حينما ينام معظم الناس متمتعين بلحظات النوم الهنيئة، إلا أن أهل الإيمان ينعمون بصلاة القيام وهي خلوة المؤمن مع ربه، وهي عبادة شديدة الإخلاص لله عز وجل.

 

وقد قال شيخنا سليمان الرحيلي حفظ الله في شرح حديث “إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها”، فمن أصحاب تلك الغرف أصناف بينها الرسول صلى الله عليه وسلم وهم المحسنين. وقد ذكر منهم في هذا الحديث أربع أقسام.

 صنفين منهم المحسنين  في أبواب الخير مع الناس. 

أما الصنف الثاني فهم المحسنين في أبواب الخير في عبادة الله.

فالصنف الأول: هم المحسنين إليهم بالطعام والمال وبما يستنفعون به في حياتهم، أما الصنف الثاني: من المحسنين للناس بالكلام، وهو الأصل في المؤمن أن يكن هيناً ليناً إلا إذا اقتضى الجهاد في سبيل الله فعليه أن يغلظ في الكلام.

أما القسم الآخر: وهم المحسنين في عبادات الله عز وجل، فبدأها بالدائم على الصيام، وليس المقصود هنا الصائم أبد الدهر.

 بل هو الصائم شهر رمضان كامل فلا يصوم يوم ويفطر يوم.

وكذلك المداوم على صيام النوافل فهو يعد من الدائمين في الصيام.

أما الصنف الأخير فهو المصلي بالليل والناس نيام، ولهذا سنجد أن هذا الحديث جمع أبواب الخير كلها من عبادات مع الله سبحانه ومع سائر الخلق.

 

فوائد حديث إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها

وقبل أن نختم شرح حديثنا اليوم “إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها” ، نستعرض سوياً فوائد الحديث، والتي تتلخص في النقاط التالية:

  1. إن الجنات ليست على درجة واحدة بل هي درجات وتختلف باختلاف الأعمال والعبادات، وكلما حرص العبد على طاعة ربه نال من ذلك النعيم وأصنافه.
  2. حرص الأعرابي والصحابة على الفوز بنعيم الله عز وجل ورضاه، ومعرفة كيفية الوصول خلال العبادات.
  3. عرض الرسول صلى الله عليه وسلم للنعيم الذي وعد الله به عباده، قبل أن يعرض عليهم الصفات التي ينبغي عليهم أن يتسموا بها، من الدلائل على عظمة نبينا صلى الله عليه وسلم في عرض الدعوة والشرائع بطريقة جعلت المستمع منتظرا للصفات وشغوفا بها بعد أن سمع عظم الأجر والثواب من الله عز وجل لعباده.
  4. حسن الخلق مفتاحه الكلم الطيب، وهو من أبرز صفات المسلم
  5. إطعام الطعام من أبواب رحمة الله ورضاه على عباده، لما من تراحم بين الناس وتأليف القلوب.
  6. سنجد أن جميع صفات المحسنين في الحديث مرتبطة بعبادات وتعاملات من شأنها إظهار مدى إخلاص العبد مع ربه، والإخلاص لله عز وجل سواء كان في العبادات الظاهرة كطيب الكلام وإطعام الطعام، أو عبادات خفية بين العبد وربه مثل الصيام والقيام، فمفتاح رضى الله عز وجل فيها إخلاص النوايا له سبحانه.
Scroll to Top