شرح حديث السلام عليكم دار قوم مؤمنين

السلام عليكم دار قوم مؤمنين

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا» قالوا: أولسنا إخوانك؟ يا رسول الله قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد» فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ يا رسول الله فقال: «أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله قال: ” فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا ” رواه مسلم

 

قول النبي – عليه السلام – لأهل القبور: “السلام عليكم دار قوم مؤمنين” وذكر الحديث

فيه من الفقه: إباحة زيارة القبور، والسلام على الموتى.
وقال بعضهم: في هذا الحديث دليل على أن أرواح الموتى على أقبية القبور، وأنكر هذا القول بعض شيوخنا، وقال: ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “إنما نسمة المؤمن من طير يعلق في شجرة الجنة حتى يرجعه الله -عز وجل- إلى جسده يوم القيامة”

وسئل يحيي بن يحيى عن مستقر الأرواح أين هي؟ قال للسائل: أين كانت قبل أن تكمن في الأجساد، وقال له: كانت في علم الله، قال له يحيى: وكذلك هي بعد خروجها من الأجساد في علم الله.

قال أبو المطرف: معنى قوله في هذا الحديث: “إنا إن شاء الله بكم لاحقون”  يعني: لا نبدل ما تركتمونا عليه، ونموت على ما متم عليه إن شاء الله، والاستثناء من الأمر الواجب معروف عند العرب، قال الله عز وجل: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله} [الفتح: 27]، فأوجب لهم دخوله، لقوله: {لتدخلن} ثم استثنى في ذلك، فقال {إن شاء الله}.
وقوله: “وددت أني قد رأيت إخواننا” تمنى أن يرى أمته في الجنة، فاستفهمه أصحابه وقالوا: “ألسنا بإخوانك؟ فقال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد” فدل هذا على أن الأخوة اسم عام يدخل فيها من شاهده وغيرهم من أمته، والصحبة اسم خاص، وهو لمن رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحبه.

وقوله: “وأنا فرطهم على الحوض” يعني: أنا متقدمهم يوم القيامة إلى حوضي، والفارط هو المتقدم إلى الماء، والوارد هو الذي يرد الماء بعد الفارط

وثبت بهذا الحديث أن للنبي – صلى الله عليه وسلم – حوضا يورده وأمته يوم القيامة ويشربون منه، وأنه يعرف أمته يوم القيامة بعلامة الوضوء التي خصوا بها من بين سائر الأمم، وهي الغرة والتحجيل، يأتون بيض الوجه والأيدي، وذكر ابن المبارك من طريق أبي ذر وأبي الدرداء أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قيل له كيف تعرفك أمتك يوم القيامة من بين سائر الأمم؟ فقال: “هم غر محجلون من آثار الوضوء. ولا يكون كذلك أحد غيرهم”.

قال أبو المطرف: سألت أبا محمد عن حديث المسيب بن واضح عن [حفص بن ميسرة] (2)، عن [عبد الله] (3) بن دينار، عن ابن عمر: “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – توضأ مرة مرة، فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله تبارك وتعالى له صلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين، ثم قال: هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، ثم توضا ثلاثا ثلاثا، فقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي” (4). فقال لي أبو محمد: ليس هذا بثابت، والمسيب بن واضح ضعيف، ليس يصح عن ابن عمر حديث في الوضوء، وهذه الأمة مخصوصة بالوضوء.

قال أبو عمر: هذه الأمة مخصوصة بالوضوء، قال: ونزل فرض الوضوء بالمدينة، قيل له: فبأي شيء صلوا بمكة إذ فرضت الصلاة بها؟ فقال: لا أدري، ليس كل شيء يبلغنا

 

قال أبو المطرف: قوله “فليذادن رجال عن حوضي”  على معنى الخبر، وفيه معنى التحذير، أي ليحذر العاصي أن يذاد عن حوضي بالعمل السيء، وروى يحيى بن يحيى: “فلا يذادن” على معنى لا يفعل فعلا يطرد به عن حوضي.
وقوله: “ألا هلم، ألا هلم” يدعو إلى حوضه الذين يأتون بعلامات الوضوء، فيقال له فيمن يطرد منهم عن الحوض: “إنهم قد بدلوا بعدك”، أي غيروا سنتك وأحدثوا

وهؤلاء أهل البدع والمحدثين في دين الله المخالفين لما أمر الله به ورسوله قال ابن القاسم: وقد يكون في غير أهل البدع من هو شر من أهل البدع، وذلك أن أهل البدع فعلوا ما فعلوا بتأويل تأؤلوه، وكانوا بذلك أعذر ممن تقحم في فعل الشيء بعد معرفته بتقحمه

 

وقوله: “فسحقا فسحقا” يعني: بعدا لهؤلاء المطرودين عن الحوض، غير أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد، لأنه ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “إن الله يقول يوم القيامة: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبه من خردل من إيمان فأخرجوه من النار، فيخرجون منها بإيمانهم فيدخلون الجنة”

 

تفسير الموطأ

Scroll to Top