تزوجوا الودود الولود
الحديث النبوي:
عن معقل بن يسار قال: “جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ، فقالَ: إنِّي أصَبتُ امرأةً ذاتَ حسبٍ وجمالٍ، وإنَّها لا تلِدُ، أفأتزوَّجُها، قالَ: لا ثمَّ أتاهُ الثَّانيةَ فنَهاهُ، ثمَّ أتاهُ الثَّالثةَ، فقالَ: تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ“.
تنثني الرغبات وتنعطف عندما يُرشد الحبيب ﷺ ويهدي، ومن ثم كان على النفس أن تحتذي درب الهدى فكرًا وسلوكًا، ولما كان الكرام هكذا.. كانت هذه شِيَمُهم.
البطاقة التعريفية || الراوي
معقل بن يسار، صحابي عظيم من صحابة الرسول ﷺ، كنيته أبو عبد الله، وهو من الذين شهدوا بيعة الرضوان، وكان من رواة الحديث عن النبي ﷺ، ولاّه عمر بن الخطاب على البصرة، وحفر فيها نهرًا سُمي بنهر معقل نسبةً إليه، وظل بالبصرة إلى أن مات في آخر خلافة معاوية، وله قصة مشهورة مع الوحي، فقد نزلت فيه الآية “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ” وذلك عندما عارض رجوع أخته جُمَيْل بنت يسار إلى طليقها أبو البداح بن عاصم بعدما أراد أن يراجعها، وكانت تريد الرجوع إليه، فترك الحمية والتعصب لرأيه وامتثل لما جاء في الوحي.
تزوجوا الودود الولود شرح الحديث
في هذا الحديث يحث النبي ﷺ على سنة الزواج، إذ أنه هو الطريقة لتكثير سواد المسلمين، والحديث يلقي الضوء على قصة معقل بن يسار عندما طلب نصيحة النبي ﷺ في أمر الزواج، فقد وجد امرأة على قدر من الجمال وذات نسب ولكن عيبها أنها لا تنجب، وقد سأل النبي ﷺ طالبًا نصيحته: أأتزوجها؟ فقال له النبي ﷺ لا، ثم أتاه ثانيةً فسأله، فقال له النبي ﷺ لا، ثم أتاه في الثالثة فقال له النبي ﷺ لا، وأضاف: “تزوجوا الودود”، أي المحبوبة -لما تتصف به من صفات البر وحسن الخلق- والتي تحب زوجها وتتحبب إليه
“الولود” أي التي تنجب الأولاد، وذلك يُعرف عادةً بالنظر إلى أقربائها من النساء كأمها وأختها، وقوله ﷺ “فإني مُكاثر بكم الأمم”: أي متفاخرٌ متباهيٍ بكم الأنبياء والأمم السابقة يوم القيامة لكثرتكم.
من فوائد هذا الحديث: ترغيب النبي ﷺ في الزواج بالودود الولود، لأنه يعود بالنفع على الزوج والأمة من تكثير سواد المسلمين في الدنيا، وتباهي النبي ﷺ بهم في الآخرة.
هدايات نبوية في حديث تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم
- من قول بن يسار: “إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال” نستنتج أن الحسب والجمال من الخصال التي يتطلع الناس إلى وجودها في النساء، وهو أمر غير مذموم، فقد أشارت السنة النبوية إلى هذا الأمر في قوله ﷺ: “تنكح المرأة لأربع: لحسبها، ولجمالها، ولمالها، ولدينها.. ” لكن المسلم إذا أراد الزواج فعليه أن يبحث عن المرأة الولود لتكثير سواد المسلمين.
- كما نستلهم من هذا الحديث أن الزواج أمر محمودٌ مرغوب، رغّب فيه النبي ﷺ، فقد أمر ﷺ بالباءة –وهو النكاح- ونهى عن التبتُّل -وهو أن ينقطع المرء عن الزواج من أجل أن يتفرغ للعبادة-، لأن فيه مخالفة لسنن الرسل والأنبياء “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً“، وفي حديث أبي أمامة عن النبي ﷺ: “تزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى“، فالزواج فيه من الخير والنفع العظيم، إذ به تحصل الذرية الصالحة من البنين والحفدة، فهم قرة العين لذويهم، “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ” ليباهي بهم النبي ﷺ الأمم يوم القيامة.
- لماذا جمع النبي ﷺ بين هاتين الصفتين خاصة؟
لأن المرأة الولود إذا لم تكن ودودة لم تكن مرغوبة، وإذا كانت ودودة ولم تكن ولودة لم يحصل المرجو منه وهو تكثير سواد المسلمين.
- الودود الولود
شرع الله عز وجل الزواج وأنعم به على أمة محمد ﷺ حتى يتعاون الزوجان فتتكامل الحقوق والواجبات في المجتمع الإسلامي في ظلال المودة والرحمة، وانطلاقًا من حديث النبي ﷺ نسطّر بعض النصائح من الهدي الرباني تحتذيها الزوجة المسلمة لتكون ودودًا:
- أكّد القرآن والسنة النبوية على ضرورة طاعة الزوج في المعروف، لا تعصي أمرًا ولا تفشي سرًا، وهذا من أعظم القربات عند الله تعالى، “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم”، والكثير من النساء لا يبالي لهذا الأمر، خاصةً الأصوات الدخيلة على الإسلام التي تعلوا الآن وتنادي بحرية المرأة وأنها غير ملزمة بطاعة زوجها وغير ذلك من الشعارات الهادمة للبيت المسلم، وقد أجمع العلماء عن أن الزوج له حق –بعد حق الله ورسوله-، بل إن طاعته مقدمة على طاعة الأبوين، وحتى مقدمة على القيام بالعبادات التطوعية، لأن طاعته واجبة، والواجب مقدم التطوع.
- من أخلاق النبوة البشاشة، تجلب المودة والألفة وبها تذوب الأحقاد بين النفوس، وهي عمل يسير يؤجر عليه المسلم، فعن النبي ﷺ قال: “لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلق” أي بوجهٍ بشوش مبتسم، فلقاء المرء بأخيه على هذا الحال يشعر محبته له وفرحته برؤياه، ويحصل بذلك المودة والألفة، وهذا لا يقتصر على الأصدقاء فقط، بل يدخل فيه الزوج والزوجة نظرًا لطول الصحبة، فتتلطف المرأة بالكلام مع زوجها، وتحسن اختيار الكلمات، فالكلمة الطيبة صدقة، وتتجنب قدر الإمكان التحدث في الخلافات والأمور الجدلية، فإن لم تفعل ذلك وأفسحت للشيطان مجالًا وقع ما لا يحمد عقباه من النزاع والخلاف.
- الصبر من أهم الأمور التي لا بد أن تؤخذ في الاعتبار، فعلى الزوجة أن تتحمل وتصبر، فلا تعاقب على الجفوة وتوافه الأمور، وأن تغض الطرف عن الأمور الصغيرة الضئيلة، وأن تتجنب المعاتبة وكثرة السؤال، وألا تحاسب على كل كبيرة وصغيرة، والذي يُعين على هذا: التغافل، فهذا لا يعد من السذاجة والضعف كما يعتقد البعض، بل هو من الأخلاق والفطنة، وبذلك تتسم بالرأفة والهدوء والحكمة.
قال أَبُو الدَّرْدَاءِ لأُمِّ الدَّرْدَاءِ: “إِذَا غَضِبْتُ فرضّيني، وإذا غَضِبْتِ رضّيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أَسْرَعَ ما نَفتَرِقُ”.
- من المفاهيم التي بحاجة إلى إعادة نشر بين الناس هي فقه التعاملات، خاصة مراعاة المشاعر بين الأزواج، مثل أن تقوم الزوجة بمراعاة زوجها والإحسان إليه، تشكره على صنيعه وفضله، وتتجنب إجحاد نعمة الزوج، ففي الحديث النبوي: “لا ينظرُ اللهُ تبارك وتعالى إلى امرأةٍ لا تشكُرُ لزوجِها؛ وهيَ لا تَستَغني عنهُ”.
ومن الفقه أيضًا أن تتفاعل مع زوجها في كل أحواله، موافقة له، متوائمة معه، فقد أخبر النبي ﷺ: “خَيْرُ نِسائِكُمُ الوَلُودُ الوَدُودُ المُواسِيةُ المُواتِيَةُ، إِذا اتَّقَيْنَ الله”، فالمواسية هي من تواسي زوجها حال أصابه هم أو حزن، والمواتية هي الموافقة له، يقول الإمام أحمد: “أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة”.
هذه الإرشادات لا ينبغي أن يُفهم منها إلغاء شخصية الزوجة وتهميش دورها، بل هي وسائل تُمهد السبيل لإحياء بيت مسلم قائم على الود والألفة والتشاور والاحترام المتبادل، ومن جهة أخرى على الزوج أن يراعي حقوق زوجته، وأن يتقى الله فيها اقتداءً بتعامل النبي ﷺ مع أهله.
تزوجوا الودود الولود صحة الحديث
وهذا الحديث أخرجه جمع من العلماء وممن خرجه الإمام أبو داود في سننه وقد حكم على صحة الحديث كل من العلامة الألباني والمحدث مقبل الوادعي فهو حديث صحيح.