عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالَ رَجُلٌ: وَلَا إِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَلَا إِيَّايَ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا» رواه مسلم في صحيحه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا» رواه الإمام البخاري في صحيحه.
يحدثنا النبي الأمين – صلى الله عليه و سلم – عن النجاة من النار، و الدخول إلى الجنة، و هذا هو أقصى المرام، و أعظم المنال لكل مؤمن يخشى الله و يحب رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فبعد الدخول ينال العبد أعظم نعيم على الإطلاق رؤية الله ورضوانه سبحانه وتعالى.
و الوصول إلى هذا الأمر يحتاج إلى عمل دؤوب و جهد مستمر، فالعمل و الاستقامة و الإخلاص و البذل و غيرها من الأعمال الصالحة هي مفتاح لدخول الجنة، و البعد عن النار.
و لكن مهما عملنا لن تكون أعمالنا عوضا إلى النجاة، فأعمالنا مهما كانت عظيمة، و مهما كانت صالحة و منيرة، لن توفّي نعمة من نعم الله التي أنعمها علينا في الحياة الدنيا، فكيف ستكفي لتدخلنا الجنة و تنجينا من النار؟
لذلك فإن النبي الأمين – صلى الله عليه و سلم – حدثنا أن ألا نجاة من عذاب إلا برحمته و ليس بعملنا
والمراد هنا أن الأعمال ليست عوضا عن الجنة بل دخولها فضل من المولى ورحمة منه على عباده
شرح حديث سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا
فتعجب الصحابة من حديثه – صلى الله عليه و سلم – ففي رواية أخرى وصلت إلينا يسأل الصحابة النبي عن ذلك
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((قاربوا وسددوا، واعلموا انه لن ينجو أحد منكم بعمله)) قالوا: ولا انت يا رسول الله؟ قال: ((ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمة منه وفضل)) رواه مسلم.
أي أن دخول الجنة هو هدية عظيمة و منّة كبيرة من رب العزة ذي الجلال و الإكرام، ذي الطول و الإنعام، و مهما عملنا لن نستطيع الوصول إليها و لو بلغت حسناتنا عنان السماء أو أعماق البحار….
و لكن قد يتبادر السؤال إلى الأذهان … إذاً لماذا نعمل بما أن الجنة هدية و منّة من الله علينا؟ والجواب أن هي سبب من الأسباب التي جعلها الله لدخول الجنة وسبب لكي تنال رحمة الله وفضله
فكلام النبي – صلى الله عليه و سلم – لا يتنافى مع الحث على العمل، وبذل الجهد لفعل الصالحات، و آيات القرآن تحثّنا على الإيمان المصحوب بالعمل، فتكون صفة الايمان دوماً مقرونة بالعمل الصالح لأن العمل من الإيمان وجزء منه وأن الإيمان الصادق يكون بالأعمال الصالحة لا مجرد الادعاء، قال الله تعالى: (( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات ))
لقد تكررت هذه الآية عدة مواضع كثيرة من القرآن… و ذلك لدلالتها العظيمة على العمل الصالح الحق
سددوا و قاربوا
كما أن النبي يكمل حديثه بقوله – صلى الله عليه و سلم – (( و لكن سددوا و قاربوا، و اغدوا و روحوا ))
فما معنى هذه الجواهر الغالية من حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه و سلم – ؟
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
“والمطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد فإن لم يقدر عليها فالمقاربة فإن نزل عنها: فالتفريط والإضاعة”
أي أن السداد الذي يقصده عليه الصلاة والسلام هو الاستقامة على كل عمل صالح، و الالتزام بكل ما يرضي الله، لأن الاستقامة عين الكرامة، و الثبات نبات…
فعندما يجتهد العبد للاستقامة على الحق و يسعى للوصول إليه، فهو المحب لمولاه حيث يبذل في ذاته الغالي والنفيس
واقرأ أيضا: اذا عمل احدكم عملا فليتقنه
و نحن أثناء كل صلاة نكرر عند كل ركعة من سورة الفاتحة (( اهدنا الصراط المستقيم ))…
نعيدها في كل ركعة من ركعات صلواتنا، أي أننا نطلب من الله الاستقامة على شرعه القويم، و العمل بما يرضيه في كل لحظة من لحظاتنا، و كل حركة من حركاتنا.
فالسداد هو: الوصول إلى حقيقة الاستقامة، و هي الإصابة في جميع النيات و الأقوال و الأعمال و المقاصد، و هذا ما عُرِف به النبي – صلى الله عليه و سلم – و من بعده الصحابة و التابعين و تابع التابعين و أيضاً أولياء الله الصالحين، فكلهم كانوا معروفين بالاستقامة و الثبات على ما يرضي الله في كل عمل أو قول أو حتى ما تقوم في قلوبهم من الرغبة والرهبة والتوكل والرجاء
إذا ما هو المراد ب سددوا : العمل بالسداد، وهو القصد، والتوسط في العبادة فلا يقصر فيما أمر به.
وكان النبي – صلى الله عليه و سلم – يكثر من الدعاء فيقول (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) [ أخرجه الترمذي في سننه وصححه الألباني ]
و لكن عند حال المؤمن عن الاستقامة و السداد، فعليه حينها أن يكون في المرتبة الثانية (( وقاربوا )).
أي اجتهدوا و ابذلوا كل ما تملكون في الوصول إلى السداد، فمن اجتهد و لم يصب فلن يفوته الخير العظيم، فهو يعمل على حسب طاقته و إمكانياته، و لو لم يصب الهدف، و لكنه اقترب منه..
فالمقاربة هي القصد الذي لا غلو فيه و لا تقصير، و هي الحرص الشديد على أن تكون كل الاعمال ترضي الله و رسوله، و لكن بقدر المستطاع، و على حسب وضع كل مؤمن و درجة إيمانه التي وصل إليها، فمهما بلغ الإنسان من تقواه فلا بد أن يخطئ، و كما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: ((كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)) [ أخرجه ابن ماجه في سننه ]
لذلك على المؤمن أن لا يفارق هاتين المرتبتين، السداد أو المقاربة.
[ شرح حديث سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا ]
واطلع على: من تعار من الليل
معنى الغدو في قوله عليه الصلاة والسلام واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة
((و اغدوا و روحوا)) فالغدو هو الخروج في النهار، والرواح هو الخروج في الليل، فالنبي – صلى الله عليه و سلم – يقصد أن على المؤمن أن يسعى في طلب رضا الله، و يبذل الوقت و الجهد في كل حركاته و سكناته، فلو خرج صباحاً ولو خرج مساء.
والصحابة و العلماء و أولياء الله الصالحين هم ورثة النبي من بعده، و تعلمنا منهم كل ما يرضي الله ورسوله، فكانوا يحرصون على طاعة الله والبعد عن معصيته
فالمؤمن المحب لله، المحب لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- إما أن يكون على الاستقامة و الثبات، و هذا أعظم مقام، أو أن يكون مقارباً، يجتهد ويصيب، ثم يجتهد عن علم لا بجهل ولكنه قد يخطئ، ولكنه كل أحواله، قائماً أو قاعداً، مضطجعاً أو نائماً، سعيداً أو حزيناً، مسافراً أو مقيماً، صائماً أو مفطراً… دوماً يتحرى رضا الله و يحرص عليه.
و لو أخطأ المؤمن في بعض أحيانه فهذه صفة البشر، يخطئون و يتوبون، وأيضا لا حرج على المسلم أن يفعل المباح والأمور التي لا شبهة فيها كما أنه لا حرج في الترويح عن النفس أحيانا.