الحديث النبوي:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “لَا تَكْرَهُوا الْبَنَاتِ، فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ”.
إشارة لطيفة من وصايا نبوية شريفة نستوحي منها قيمة البنات ومكانتهن تحت مظلة الإسلام، ونتأمل إحسان النبي ﷺ لبناته، وكيف عاملهن..
بطاقة تعريفية | الراوي
عقبة بن عامر بن عبس الجهني رضي الله عنه، صحابي مشهور، وكنيته أبو حماد، روى عن النبي ﷺ كثيرًا من الأحاديث، كما أنه كان فقيهًا عالمًا وشاعرًا ذا شأن، وكان صوته من أحسن الأصوات تلاوةً للقرآن، وهو من الصحابة الذين جمعوا القرآن ومصحفه إلى الآن بمصر، ولّاه معاوية إمارة مصر لثلاث سنوات، مات ودُفن فيها سنة 58 هجرية، وقبره بالمقطم.
شرح حديث المؤنسات الغاليات
- مؤنسات، -هن الأُنس ذاته- للآباء والأمهات وللأبناء ولمن حولهن من الأمة قاطبة، البنات يحففن من حولهن بالأنس والألفة والمحبة، فبوجودهن توجد وبانقطاعهن تنقطع.
- غاليات، أكرمهن الله بفطرة ينبع منها رقة وحنان ولين، وبراعة في التربية برفق وعطف وأناة، بهم يُدخل الجنة، وبهم تكون النجاة من النار.
ألقت السنة النبوية الضوء على أمر مهم جدًا خاصة في عصرنا الحالي، وهو الاعتناء بالبنات والإحسان إليهن، يبشّر النبي ﷺ أهل الإسلام في حديثه الشريف: “من كان له ثلاثُ بناتٍ فصبر عليهن وأطعمهنَّ وسقاهنَّ وكساهُنَّ مِن جِدَتِه كنَّ له حجابًا من النَّارِ يومَ القيامةِ”،
وفي هذا بيان لفضل مراعاتهن والقيام على أمورهن وتربيتهن ليكونوا حجابًا وسترًا من النار يوم القيامة، ومن العلماء من أشار أنه قد يدخل فيه أيضًا من عال بنتًا أو اثنتين أن ينال من عظيم الأجر والثواب مثل ما ذكر النبي في حق الثلاث، فالله الواسع فضله واسع ورحمته تشمل العالمين، هذه بشارة نبوية وذاك ما ترغب فيه النفوس.
وعلى صعيد آخر -خاصةً في عصرنا الآن- البعض يتسرب إلى قلبه الكره والتشاؤم إذا بُشِّر بالأنثى، وهذا أمر خطير ومذموم، إذ هو من عادات الجاهلية، حيث كانوا يكرهون بناتهم متشائمين بهم لا يكاد المرء منهم أن يسعه إلا أمرين: الإبقاء على البنت فلا يوأدها متحملًا الهوان والمذلة، أو يوأدها خلاصًا من العار والخزي الذي يلحقه حال حياتها، فهو يتقلب بين سوء حُكمَيه “يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ”.
ذكر ابن حجر رحمه الله أن دفن البنات عند العرب كان على طريقتين، فقال: “أحدهما أن يأمر امرأته إذا قرب وضعها أن تطلق بجانب حفيرة، فإذا وضعت ذكرًا أبقَته، وإذا وضعت أنثى طرحَتها في الحفيرة، ومنهم من كان إذا صارت البنت سداسيَّة قال لأمِّها: طيِّبيها وزيِّنيها لأزور بها أقاربها، ثمَّ يبعد بها في الصحراء حتى يأتي البئر فيقول لها: انظري فيها، ويدفعها من خلفها، ويطمها؛ والله أعلم”.
هكذا كانت العقول، إلى أن جاء الإسلام بمنهج يحرر تلك العقول ويبصّرها، منهج يعلن أن البنات بشرى من الله وهبة، وأن رعايتهن وإسعادهن والسعي في حاجتهن وحفظ حقوقهن في مختلف المجالات هو الأساس، لما يترتب على ذلك من أجور ممتدة لصاحبها، وفي ذلك بحر من الأمثلة، نستلهم منها طرق التعامل النبوي مع البنات لنسير على نهجه وخطاه ﷺ.
رفقًا بالقوارير
انطلاقًا من رفقًا بالقوارير نسرد إحسان النبي ﷺ مع بناته وكيف عاملهن..
فهذه فاطمة قرة عين رسول الله ﷺ وأحب بناته إلى قلبه، كانت إذا دخلت على النبي ﷺ قام لِمَقدمها وقبّلها وأجلسها مجلسه، ليشعرها بقدرها ومكانتها الكبيرة في نفسه، وهي التي قال فيها ﷺ: “فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها”.
وها هي زينب يَقبل منها رسول الله ﷺ قلادتها التي أرسلتها فداءً لفك زوجها أبي العاص بن الربيع، ثم يعيد ﷺ قلادتها إليها بعدما شاور أصحابه ورأوا تأثّره بالقلادة التي ذكّرته بخديجة رضي الله عنها.
أما -ابنة زينب- أُمامة حفيدة رسول الله ﷺ، عاشت مع جدها بعد أن ماتت أمها وهي صغيرة، كان النبي ﷺ يحبها ويهتم بها ويغدق عليها بالهدايا، وكان يأخذها معه إلى المسجد، ويحملها على عاتقه أثناء صلاته، فكانت رحمته وعطفه ﷺ تتمثل في اهتمامه بها.
كان ﷺ حريصًا على إرشاد بناته وتربيتهم على الخير، وكان يعلقهم بالله عز وجل، رُوي أن فاطمة رضي الله عنها طلبت من النبي ﷺ خادم بسبب ما تعانيه من أثر الرحى، فأوصاها النبي ﷺ عند النوم أن تكبّر الله أربعًا وثلاثين، وتسبّحه ثلاثًا وثلاثين، وتحمده ثلاثًا وثلاثين، وأن ذلك خير من الخادم.
أمثلة من حياة النبي ﷺ كشفت لنا المربي المثالي وصاحب اللمسات الحانية، لم تقف التربية المحمدية إلى هنا بل حذا حذوه الصحابة وتابعيهم، فكانوا خير خلف لخير سلف.
المؤنسات الغاليات
نسج الصحابة والتابعين على منواله ﷺ، فهذا عبد الله بن مسعود يُثرينا بتأسّيه بالنبي ﷺ، حين أقبلت عليه ابنته وكانت صغيرة، فضمّها إليه وقبّلها وقال: “يا مرحبًا يا ستر عبد الله من النار”.
وهذا معاوية يُشيد بابنته حينما دخل عليه عمرو بن العاص فسأله من هذه؟ فقال معاوية: “تفاحة القلب وريحانة العين”.
وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا علم أن أحدًا من أصحابه وهبه الله بنتًا قال: “أخبروه أن الأنبياء آباء بنات”
هكذا هي التربية النبوية، وهكذا اقتُلعت جذور الجاهلية من النفوس.
منزلة الأنثى بين الماضي والحاضر
أكرم الإسلام الأنثى ورفع منزلتها، ولم يوقّر شأنها دينٌ سواه، فالأنثى المسلمة في صِباها هي قرة العين، وريحانة والديها وإخوانها، وفي كِبَرها هي المعززة المكرمة في بيتها، يرعاها والدها فلا تُمد إليها الأيادي بسوء، فهي تحت ظلال الإسلام ورحابه آمنة مُنعّمة..
أما ما نراه الآن من بعض المؤسسات والمنظمات التي تدّعي الحفاظ على حقوق الأنثى وغير ذلك من شعارات متلونة غير محددة المعنى والهدف، هي في الأصل منظمات لا ترعى للأنثى كرامتها، بل تسعى إلى تهميشها وتجريديها من الدين والأخلاق وكل ما يمت للإسلام بصلة، على مسعى أنها ستقدم للأنثى أفضل مما يقدمه الإسلام لها، لكن الأنثى المسلمة عزيزة بنفسها ليس من شِيَمها الانبطاح والانهزامية، وبالتالي لن ترضى بالانسياق وراء هذه الأفكار المروّجة.
حكم العمل بالأحاديث الضعيفة
إسناد الحديث الذي معنا ضعيف، لأن فيه ابن لهيعة وهو معروف بسوء حفظه، وقد تفرد بالحديث، وقال الإمام الألباني بتضعيفه، ثم رجع عن قوله وذكره في الصحيح، وقد ذكره الإمام أحمد في مسنده.
اختلف العلماء في مسألة العمل بالحديث الضعيف على قولين، فمنهم من منع العمل به، ومنهم من أجازه بشروط وهي:
- ألا يكون الحديث موضوعًا، أو شديد الضعف بأن يكون فيه من يُتهم بالكذب مثلًا.
- أن يكون العمل به في فضائل الأعمال.
- أن يندرج تحت أصل كلي معمول به في الشريعة.
فمثلًا الصدقة، أمر معروف جاءت فيها الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، فإذا جاء حديث ضعيف فيها فلا بأس في أن يُذكر عند العلماء، وذلك بهدف الترغيب في فضائل الأعمال المعروفة.
- أن يُعتقد عند العمل به الاحتياط لا الثبوت.
والصواب: من الجواز العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال مطلقا.
المصادر والمراجع في شرح حديث المؤنسات الغاليات
عقبة بن عامر – فهرس الرواة – المكتبة الشاملة
شرح حديث لا تكرهوا البنات – أحاديث الرسول
فضل الإحسان إلى البنات – الإمام ابن باز
التحذير من التشاؤم بالبنات – شبكة الألوكة
اللطائف والظرائف – أبو منصور الثعالبي