ما رأيت منك خيرا قط
يعد حديثنا اليوم من أكثر الأحاديث التي استدل بها علمائنا على الكثير من الأمور الفقهية المهمة، لهذا لم ننس أن نتدارسه سوياً حتى يعم النفع والفائدة منه على سائر المسلمين بأمر الله.
متن حديث ما رأيت منك خيرا قط
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء بكفرهن”قيل أيكفرن؟ قال: “يكفرن العشير ويكفرن الإحسان؛ لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط”.
وقال البخاري: كفر دون كفر.
صحة حديث ما رأيت منك خيرا قط
- راوي الحديث: عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما).
- المحدث: البخاري(رحمه الله).
- مصدر الحديث: صحيح البخاري(29).
- خلاصة حكم المحدث: صحيح.
شرح الحديث ( ما رأيت منك خيرا قط )
(أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء بكفرهن “قيل أيكفرون؟ قال: “يكفرن العشير ويكفرن الإحسان…”):
هنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اطلع على أهل النار في رحلة الإسراء والمعراج، وأنه رأى أن أكثر أهلها من النساء، وبين سبب ذلك بكفرهن.
وهنا سأله الصحابة هل يكفرن بالله عز وجل، فقال لهم بل يكفرن العشير والإحسان.
وهنا استدل أهل العلم أن الكفر كفران، كفر ينقل من الملة وكفر لا ينقل من الملة.
1- فالكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره، وهذا هو الكفر الناقل من الملة وصاحبه مخلد في النار يقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: وحد الكفر الجامع لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده هو: جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه اهـ(الإرشاد إلى معرفة الأحكام:277)
2- أما الكفر بالمنعم فهو من كبائر الذنوب ولكنه لا يخرج من دين الله عز وجل، وبناء عليه لا يخلد صاحبه في النار.
فالأدلة على كون الكفر كفران من الكتاب والسنة كثيرة، فمن كتاب الله نجد قوله عز وجل (فكفرت بأنعم الله) (سورة النحل: 112)، فالمراد بالكفر هنا كفر غير ناقل من الملة.
مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تعودوا من بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض).
ولهذا قال عطاء وغيره بأنه كفر دون كفر،
ولا يجوز لأفراد الناس أن يكفروا مسلما لأنه قد يكونوا جاهلا أو متأولا فلابد أن يحكم عليه أهل العلم بالكفر إذا وقع منه فعل كفري بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع
يكفرن العشير ويكفرن الإحسان
هنا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نوعان من الكفر، كفر العشير وكفر الإحسان. وهناك فرق بينهما “فكفر العشير” هو كفر المعاشر في المطلق، أما “كفر الإحسان” فهو كفر إحسان الزوج لزوجته ومراعاة الله عز وجل فيها وانكارها له.
لهذا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحبه متوعد بالعذاب وأنه كان سببا في أن أكثر أهل النار النساء
حيث قال الكرماني: أن في قوله صلى الله عليه وسلم (يكفرن العشير): أنه لم يعد كفر العشير بالباء، كما عدي الكفر بالله لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف.
، وسمي عشيرا نسبة لقوله تعالى(وعاشروهن بالمعروف)، والمقصود معاشر الزوجة لزوجها والزوج لزوجته.
أما في قوله (ويكفرن الإحسان): أنه بيان لقوله (يكفرن العشير) لأن المقصود كفر إحسان العشير لا الكفر لذاته.
لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله
(لو ): هنا لو شرطية وليست امتناعية.
(أحسنت): المقصود بالإحسان هنا لرجل بعينه، فالإحسان هنا خاص في اللفظ عام في المعنى.
(الدهر): فمنصوب على الظرفية، ومرداه مدة عشرة الزوج والمبالغة هنا بكلمة الدهر أي انكار الإحسان مهما طالت مدته.
فوائد الحديث ( ما رأيت منك خيرا قط )
هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن نحصدها من حديث (ما رأيت منك خيرا قط)، لكننا نذكر بعضها وهي التالية:
- الاستدلال بهذا الحديث أن الكفر كفران، لكونه يعد من الأدلة على أن هناك كفر ناقل عن الملة وكفر غير ناقل وهذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
- قد نجد هذه الصفة أيضا في الرجال أي الكفر بالعشير وانكار الإحسان، ولهذا عندما يقع الرجل في ذلك فله نفس وزر المرأة. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (إن النساء شقائق الرجال).
- الجحود وانكار النعم صفة تجدها في بني آدم لأنه يذكر المصائب وينسى النعم، وعندما قال سبحانه (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نـزعناها منه إنه ليئوس كفور)[هود: 9].
- قد تجد الكثير من الناس يكفرون بالمعروف وحسن العشرة مع الأهل والأصدقاء، وهذا أيضاً يدخل في باب الكفر بالعشير.
- تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم النساء من كونهن أكثر أهل النار، ولهذا نجده قد أمرهم بكثرة التصدق حتى يعفو الله عنهن.
- من فوائد حديث (ما رأيت منك خيرا قط)، أنه بالرغم من كون صفة انكار العشرة قد تكون متأصله عند الرجال والنساء، لكنها توجد أكثر في النساء، لهذا حذرنا النبي صلى الله عليه سلم من شدة وقبح ذلك التصرف حتى لا نتمادى فيه.
- (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، والشكر هنا المراد منه الاعتراف بالفضل والإحسان وعدم نكرانه. بل رده للزوج بالعرفان والجميل.
- قول الله عز وجل في حالة الطلاق (ولا تنسوا الفضل بينكم)، فإن كان ربنا سبحانه وتعالى يحثنا على عدم كفر العشير في الطلاق، وأن لا ننس المعروف والخير لكي لا تستفحل العداوة والبغضاء بين الزوجين بعد الطلاق، فمن باب أولى أن يتذكر كلاً منهما الخير بينهما ولا سيما فضل الزوج واحسانه في حال الزواج واستمراره.
- نستشعر في حديث (ما رأيت منك خيرا قط) معنى الحسرة والندم في الدنيا والآخرة للزوجة التي تنكر فضل زوجها واحسانه، فتظل في الدنيا ناقمة ساخطة على رزق الله ، أما في الأخرة فتعذب في النار لجحودها وإنكارها الخير والمعروف إلا أن يعفو الله عنها