نبدأ أو نأخذ آخر حديث في كتاب بدء الوحي كتاب بدء الوحي وهو حديث قصة أبي سفيان – رضي الله عنه – مع هرقل ملِك الروم قصة طويلة في ثلاث صفحات هذا من أكبر الأحاديث أو من الأحاديث الكبيرة في صحيح الإمام البخاري – رحمه الله – ولذلك لو قرأه القارئ وقرأت أنا وعلقت عليه سيطول الدرس، فهذا الحديث مُستثنى من قراءة القارئ يسمح لنا فأبدأ بالحديث مباشرة حتى لا نطيل عليكم.
حديث عظيم فيه فوائد كثيرة وفيه قصةٌ فيها عِبر وفيها مسائل يكفي أنه رواه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال وعنه الحديث السابع في مختصر صحيح الإمام البخاري – رحمه الله -للزبيدي قال وعنه – رضي الله عنه – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن أبا سفيان بن حرب أبو سفيان وصخر بن حرب – رضي الله عنه – أسلم ليلة فتح مكة وهو قاتل مع المشركين في غزوة بدر و أُحد والخندق لكنه – رضي الله عنه – أسلم و أكرمه رسول الله (ﷺ) يوم الفتح كما هو معلوم أسلمَ ليلة الفتح – رضي الله عنه -، يذكر لنا هذه القصة وهي في السنة السادسة من الهجرة بعد غزوة الخندق وقبل فتح مكة في وقت صُلح الحُديبية صُلح الحُديبية صالحهم النبي (ﷺ) صالح أهل مكة فاستغل تُجّار مكة هذا العهد وهذا الصلح في تجارتهم فرحل أو سافر سفيان أبو سفيان – رضي الله عنه – في تجارةٍ إلى الشام يذكر لنا هذه القصة.
أن أبا سفيان أخبر عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – الراوي عنه أن هرقل، هرقل هو ملِك الروم اسمه هرقل ولقب ملِك الروم قيصر، لكن هذا اسمه هرقل كما يُلقْب ملِك الفرس بكسرى ويُلقْب ملِك الحبشة بالنجاشي، النجاشي اسمهُ أصحمه ولقبه النجاشي فهذا لقب، أمَّا هرقل فاسمه، أرسل إليه في ركب من قريش سمع هذا هرقل ملِك الروم عن وفد من العرب جاءوا للتجارة إلى الشام طلبه للمقابلة أرسل إليه في ركبٍ كان معه جماعة مع أبي سفيان – رضي الله عنه – في رحلة التجارة إلى الشام والركب؛ جمع راكب وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها عند العرب أصحاب إبل عشرة يسافرون فيسمون الركب وهم هنا الركب الذين مع أبي سفيان ثلاثون رجلًا أرسل إليه ملِك الروم في ركبٍ من قريش كانوا تُجارًا بالشام هم كانوا في مدينة غزة يتاجرون في هذه المدينة وهو في حمص هذا ملِك الروم، فأرسل إليه قال كانوا تُجارًا للشام في المدة التي كان رسول الله (ﷺ) مادَّ فيها أبا سفيان مادة فيها أبا سفيان مادة؛ يعني أمهل بها قريشًا وأبا سفيان مدة صُلح الحُديبية في فترة صُلح الحُديبية، قال وكفار قريش مادة فيها أبا سفيان وكفار قريش مع كفار قريش، الصُلح المعروف صلح الحديبية، قال «فأتَوْهُ وهُمْ بإيلِيَاءَ» أتوه أتو إلى هرقل لما أرسل إليهم وكان هرقل في إيلياء بيت المقدس مدينة ببيت المقدس اسمها إيلياء فدعاهم أمر بإحضارهم وحوله عظماء الروم ثم دعاهم فدعا بالتُرجمان، تُرجمان هو المُفسر عن لغة بلغة أُخرى، فقال هرقل «أيُّكُمْ أقْرَبُ نَسَبًا بهذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أنَّه نَبِيٌّ؟» طبعًا هو سمع عن محمد (ﷺ) فيسأل أراد أن يسأل هذا الوفد الذي جاء من مكة من مكان بعثة النبي (ﷺ) فآتى استدعاهم ليسألهم أيُّكُم أقربُ نسبًا بهذا الرجل؟ يعني مَنْ رسول الله (ﷺ) الذي يزعُم أنه نبي؟ «فَقَالَ أبو سُفْيَانَ: فَقُلتُ أنَا أقْرَبُهُمْ نَسَبًا»، لماذا لأن أبَّا سفيان من بني عبد مناف وعبد مناف هو الأب الرابع لرسول الله (ﷺ) وهو الأب الرابع لأبي سفيان ليلتقي معه في عبد مناف فهو ابن عمه قال أنا أقربهم، وفي رواية أيضًا عند البخاري هو ابن عمي هذا الرجل هو ابن عمي أنا أقرب الناس هؤلاء نسبًا إلى هذا الرجل فقال هرقل «أدْنُوهُ مِنِّي» قربوه وقربوا أصحابه « فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ » الذين جاء معه الركب مع أبي سفيان قربوهم، « ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لهمْ إنِّي سَائِلٌ هذا عن هذا الرَّجُلِ» ترجم وقل لهم سأسأل هذا الرجل أبا سفيان عن هذا الرجل عن محمد (ﷺ) «فإنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ» إذا قال شيئًا غير صحيح غير صادق فيه «فإنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ» قال أبو سفيان «فَوَاللَّهِ لَوْلَا الحَيَاءُ مِن أنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عنْه، ثُمَّ كانَ أوَّلَ ما سَأَلَنِي عنْه أنْ قَالَ» هذا أول سؤال من هرقل إلى أبي سفيان قال «كيفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟» ما هو نسبه؟ هل هو من أشرافكُم هذا الرجل؟ « قُلتُ: هو فِينَا ذُو نَسَبٍ» صاحب نسب عظيم (ﷺ) ولا شك في هذا الله عز وجل اختاره، قال هرقل « فَهلْ قَالَ هذا القَوْلَ مِنكُم أحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ » يعني هل قال هل ادّعى النبوة أحد غير هذا الرجل قبله من العرب من قريش؟، « قُلتُ: لَا قَالَ: فَهلْ كانَ مِن آبَائِهِ مِن مَلِكٍ؟ قُلتُ: لا قَالَ، قَالَ: فَهلْ كانَ مِن آبَائِهِ مِن مَلِكٍ؟ قُلتُ: لا قَالَ: فأشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. » الذين يتبعون هذا الرجل هم ضعفاء الناس هم أشراف الناس أصحاب المجد والحسب والمال أم ضعفائهم الفقراء؟ « بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. » قال أبو سفيان هذه المقولة ضعفاؤهم، لأن الغالب من تبع النبي (ﷺ) في بداية الإسلام هم الفقراء، لكن في منهم أغنياء أبو بكر الصديق – رضي الله – وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهم من الصحابة، فهنا يحمل عن الكلام على الغالب ضعفاؤهم يعني جرى على الغالب، « قَالَ: أيَزِيدُونَ أمْ يَنْقُصُونَ؟ » هذه الأسئلة تدل على رجاحة عقل هذا الملِك؛ لأنه كان قسيسًا كان من علماء النصارى كان عالمًا من علماء النصارى « قَالَ: أيَزِيدُونَ أمْ يَنْقُصُونَ؟ » أيزيدون أم ينقصون هؤلاء الضعفاء الذين يتبعون هذا الرجل يزيدون كل يوم يزيدون ولا ينقصون؟ «قُلتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ منهمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟» هل ارتدَ واحد منهم كراهة وعدم رضا عن هذا الدين؟ قال أبو سفيان « قُلتُ: لَا» لا لم يرتد عنه أحد، « قَالَ: فَهلْ يَغْدِرُ؟» هل ينقض العهد إذا عاهد قومًا أو قبيلة أُناسًا هل ينقض العهد؟ « قُلتُ: لَا، ونَحْنُ منه في مُدَّةٍ لا نَدْرِي ما هو فَاعِلٌ فِيهَا » يعني نحن الآن قريش معه في صلح الحديبية، « قَالَ: فَهلْ يَرْتَدُّ أحَدٌ منهمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلتُ: لَا.
قصة هرقل مع ابي سفيان
قَالَ: فَهلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بالكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ ما قَالَ؟» هل تتهمون هذا الرجل بالكذب على الناس في حديث الناس قبل أن يقول ما قال قبل أن يقول أنه نبي « قُلتُ: لَا. قَالَ: فَهلْ يَغْدِرُ؟ قُلتُ: لَا، ونَحْنُ منه في مُدَّةٍ لا نَدْرِي ما هو فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: ولَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شيئًا غَيْرُ هذِه الكَلِمَةِ، قَالَ: فَهلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ » كان يريد أبو سفيان وكان مُشركًا في هذا الوقت يريد أن يفعل شيء ينتقص فيه رسول الله (ﷺ) لكن ما وجد فرصة هذا معنى كلامه «قَالَ: فَهلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟» قال هرقل هل قاتلتموه؟ هل حصل بينكم وبينه قتال؟ ولاحظوا هذا العالم هرقل ما قال هل قاتلكم؟ قال هل قاتلتموه، لأنه يعلم أن الأنبياء لا يبدأون بالقتال، أقوامهم هم الذين يقاتلون النبي الذي بعث إليهم، فهل قاتلتموه؟ «قُلتُ: نَعَمْ» يعني قاتلناه يقول أبو سفيان «قَالَ: فَكيفَ كانَ قِتَالُكُمْ إيَّاهُ؟ قُلتُ: الحَرْبُ بيْنَنَا وبيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا ونَنَالُ منه.» غزوات بدر و أُحد والخندق كان فيها انتصار وكان فيها أيضًا انتصار لقريش قال فماذا يأمركم هذه كلها أسئلة توجه ويريد أن يعرف هذا الملِك «قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلتُ: يقولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وحْدَهُ ولَا تُشْرِكُوا به شيئًا، واتْرُكُوا ما يقولُ آبَاؤُكُمْ، ويَأْمُرُنَا بالصَّلَاةِ والزَّكَاةِ والصِّدْقِ والعَفَافِ والصِّلَةِ.» وفي رواية الزكاة والصدقة « فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ له: سَأَلْتُكَ عن نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أنَّه فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذلكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ في نَسَبِ قَوْمِهَا.» هذه علامة من علامات أنه نبي أنه رسول الله (ﷺ) «وسَأَلْتُكَ هلْ قَالَ أحَدٌ مِنكُم هذا القَوْلَ» يعني هل دعا النبوة قبله؟ «فَذَكَرْتَ أنْ لَا»، «فَقُلتُ» يعني هرقل يقول في نفسه « لو كانَ أحَدٌ قَالَ هذا القَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بقَوْلٍ قيلَ قَبْلَهُ» شخص يقتدي بشخص قال قبله و ادَّعى النبوة فآتى هذا الرجل و ادَّعى مثل ما ادَّعى من قبله لكن ما في أحد «وسَأَلْتُكَ هلْ كانَ مِن آبَائِهِ مِن مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أنْ لَا، قُلتُ فلوْ كانَ مِن آبَائِهِ مِن مَلِكٍ، قُلتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أبِيهِ، وسَأَلْتُكَ، هلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بالكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ ما قَالَ، فَذَكَرْتَ أنْ لَا، فقَدْ أعْرِفُ أنَّه لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ علَى النَّاسِ ويَكْذِبَ علَى اللَّهِ » يقول هرقل إذا كان هو عندكم صادق آمين كان صادق لا يكذب في حديث الناس يقول أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل فإذا كان الناس لا يكذب فكيف يكذب على الله ويقول أنه بعثني رسولًا؟ «وسَأَلْتُكَ أشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وهُمْ أتْبَاعُ الرُّسُلِ.» وهم اتباع الرُسل هذا الغالب « وسَأَلْتُكَ أيَزِيدُونَ أمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وكَذلكَ أمْرُ الإيمَانِ حتَّى يَتِمَّ.» حتى يتم ويكمُل الدين وحتى يتم ويكمل ما أراد الله عز وجل من إظهار دينه وتمام نعمته «وسَأَلْتُكَ أيَرْتَدُّ أحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ » هل يرتد أحد كراهة وعدم رضا عن هذا الدين بعد أن يدخل فيه «فَذَكَرْتَ أنْ لَا»، شوف راجع كل سؤال و الإجابة عليها هذا الملِك وكذلك الإيمان قال «وسَأَلْتُكَ أيَرْتَدُّ أحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أنْ لَا، وكَذلكَ الإيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ.» كذلك الإيمان إذا تمكن من القلب وخالطت حلاوة الإيمان ولذة الطاعة قلب المسلم، فلا يمكن أن يرتد ويرجع عن دينه «وسَأَلْتُكَ هلْ يَغْدِرُ » هل ينقض العهد؟ «فَذَكَرْتَ أنْ لَا، وكَذلكَ الرُّسُلُ لا تَغْدِرُ وسَأَلْتُكَ بما يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أنَّه يَأْمُرُكُمْ أنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولَا تُشْرِكُوا به شيئًا، ويَنْهَاكُمْ عن عِبَادَةِ الأوْثَانِ، ويَأْمُرُكُمْ بالصَّلَاةِ والصِّدْقِ والعَفَافِ» ثم قال هيرقل «فإنْ كانَ ما تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ» يعني سيملك الشام أو بيت المقدس «وقدْ كُنْتُ أعْلَمُ أنَّه خَارِجٌ» يقول هرقل، لأنه قرءَ في الكتب السابقة قرءَ في التوراة و الإنجيل والكتب السابقة ونبّأت الكتب ببعثة محمد (ﷺ) و أنه سيأتي رسول من بعد هؤلاء الأنبياء قال «وقدْ كُنْتُ أعْلَمُ أنَّه خَارِجٌ، لَمْ أكُنْ أظُنُّ أنَّه مِنكُمْ، فلوْ أنِّي أعْلَمُ أنِّي أخْلُصُ إلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ» شوف هذا الملِك النصراني يقول هذا الكلام عن رسول الله (ﷺ) « فلوْ أنِّي أعْلَمُ أنِّي أخْلُصُ إلَيْهِ» أصل إليه في أسرع وقت « لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ» لتكلفت المشقة الشديدة للوصول إليه « ولو كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عن قَدَمِهِ.» الله أكبر هذا مبالغة في خدمته قال لو استطيع أن أصل إليه لخدمته إلى درجة أني أغسل قدميه وجاء في رواية أُقبّل رأسه «ثُمَّ دَعَا بكِتَابِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» في نفس الوقت النبي (ﷺ) أرسل دحية الكلبي – رضي الله عنه – في نفس الوقت أرسله برسالة إلى هرقل ملِك الروم فالآن هرقل دعا بكتاب رسول الله (ﷺ) دعا من آتى بكتاب رسول الله (ﷺ) «الذي بَعَثَ به دِحْيَةُ إلى عَظِيمِ بُصْرَى» دحية الكلبي هذا الصحابي كان من أجمل الصحابة حتى كان جبريل – عليه السلام – ينزل على صورته على صورة دحية الكلبي هذا كما صحت الأحاديث الذي بُعث به دحية إلى عظيم بُصرى رسالة للملِك، لكن وصلت إلى أمير بصرى وهي حوران مدينة حوران وعظيم بصرى هذا الغساني فدفعه إلى أن أرسل هذه الرسالة إلى هرقل الملِك فقرأه فإذا فيه قرأه أمام الناس هرقل بنفسه أو تُرجمان بأمر هرقل قرأه فإذا فيه «فَقَرَأَهُ فَإِذَا فيه بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِن مُحَمَّدٍ عبدِ اللَّهِ ورَسولِهِ إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلَامٌ علَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى» يعني سلم من عذاب الله من أسلم وليس المراد هنا التحية، لأنه هذا الشخص هرقل لم يسلم، وفي نهي عن البدء بالسلام لهؤلاء «سَلَامٌ علَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى» يعني سلم من عذاب الله واضح؟ « أمَّا بَعْدُ، فإنِّي أدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإسْلَامِ، أسْلِمْ تَسْلَمْ» فإني أدعوك بدعاية الإسلام بالكلمة الداعية للإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدًا رسول الله « أسْلِمْ تَسْلَمْ» أدخل الإسلام تسلم من العذاب «يُؤْتِكَ اللَّهُ أجْرَكَ مَرَّتَيْنِ» يضاعف الله لك الأجر، لأنك ستكون سبب في هداية هولاء الناس « فإنْ تَوَلَّيْتَ فإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ الأرِيسِيِّينَ» كما جاء في رواية والأريسيون يعني الفلاحون؛ أي الفلاحين وهي لغةٌ شامية وقيل الحرّاثين والمُراد هنا بالأريسيين أهل مملكتي أهل مملكة هرقل الذي هو ملِكٌ عليهم « فإنْ تَوَلَّيْتَ فإنَّ عَلَيْكَ إثْمَ الأرِيسِيِّينَ» إثم هؤلاء كلهم « و ثم قال رسول الله (ﷺ) في رسالته ويعني أدعوك بقول الله تعالى «{يَا أهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بيْنَنَا وبيْنَكُمْوبيْنَكُمْ}» سواءٍ يعني مستوية بيننا وبينكم « {أنْ لا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ ولَا نُشْرِكَ به شيئًا ولَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أرْبَابًا مِن دُونِ اللَّهِ فإنْ تَوَلَّوْا فَقُولوا اشْهَدُوا بأنَّا مُسْلِمُونَ}»
قصة هرقل مع ابي سفيان
هذه رسالة (ﷺ) لملِك الروم قال الراوي « قَالَ أبو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ ما قَالَ، وفَرَغَ مِن قِرَاءَةِ الكِتَابِ » كلام أبو سفيان يُخبرنا بما حصل بعد ما قرأ هرقل هذا الكتاب أمام جميع الناس الحضور قرأ كتاب رسول الله (ﷺ) وقرأ هذه الآيات القرآنية «قَالَ أبو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ ما قَالَ، وفَرَغَ مِن قِرَاءَةِ الكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ» لغط شديد « وارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ وأُخْرِجْنَا، فَقُلتُ لأصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا» أخرجهم أخرج هؤلاء العرب من مجلسه فقلت لأصحابي في رواية حين خلوت بهم لأصحابه الذين جاءوا معها الركب يقول أبو سفيان لهم « لقَدْ أمِرَ أمْرُ ابْنِ أبِي كَبْشَةَ » عظم وكبر أمرُ محمد (ﷺ) وكنّاه بأبي كبشة قالوا قال الشُرّاح، لأن أبا كبشة أحد أجداده نسبًا أو رضاعة وقيل أبو كبشه هي كنية أبيه من الرضاعة زوج حليمة السعدية أبوه من الرضاعة كُنيته أبو كبشة وكانت عنده بنت اسمها كبشة، والكبشة هذه ليست أنثى الكبش في لغة العرب لها اسم آخر أنا لا اعرفها الآن، لكن هي ليست هي الأُنثى كما قال الشُرّاح، الشاهد من هذا كناه بهذه الكنية « لقَدْ أمِرَ أمْرُ ابْنِ أبِي كَبْشَةَ » يعني عظم وكبر « إنَّه يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ.» لأجل أن يخافوا ملِك بني الأصفر ملِك الروم يخاف من هذا النبي محمد (ﷺ) إذًا أمره عظيم أمره كبير «فَما زِلْتُ مُوقِنًا أنَّه سَيَظْهَرُ حتَّى أدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ» يقول أبو سفيان من هذه القصة وأنا متأكد أن محمدًا (ﷺ) سيكون نبي سيُبعث نبي سيكون نبيًا سيظهر يعني سينتشر الإسلام وسيغلب الإسلام على البلاد « حتَّى أدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ» أبو سفيان – رضي الله عنه – أسلم يوم الفتح ثم الآن هذه القصة جاءت بعدها قصة في نفس السند « وكانَ ابنُ النَّاظُورِ، صَاحِبُ إيلِيَاءَ» أمير بيت المقدس وصاحب هرقل أسقُف مرتبة الأسقف عند النصارى رئيس دين النصارى على نصارى الشام هذا ابن الناظور يُحدث أن هرقلًا حين قدم إيلياء أصبح خبيث النفس طبعًا هذه الآن مرت فترة عن هذه القصة بعد ما قاتل الروم الفرس وهُزم الروم {غُلِبَتِ الرُّومُ} قال الله عز وجل عنه في القرآن، فرجع من المعركة «أصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ » هزيل ومتضايق رديء النفس غير طيب النفس « خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ» خبيث النفس ما هذه هي عادتك؟ شمتك حالك ليس هو كما كان «قَالَ ابنُ النَّاظُورِ: وكانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ في النُّجُومِ، فَقَالَ لهمْ حِينَ سَأَلُوهُ:» قال يا هرقل لهم حين سألوه «إنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ في النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قدْ ظَهَرَ » يعني الملك الرسول الذي بُعث الذي يأمر بالختان هكذا هو الشرح قد غلب وانتشر دينه في جزيرة العرب « فمَن يَخْتَتِنُ مِن هذِه الأُمَّةِ؟ » من يختتن الآن من الناس؟ يسأل المستشارين عنده وجلسائه يسألهم هرقل من يختتن من هذه الأمة من الناس؟ «قالوا: ليسَ يَخْتَتِنُ إلَّا اليَهُودُ، فلا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، واكْتُبْ إلى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَن فيهم مِنَ اليَهُودِ» هذه هي القصة التي جاءتنا «فَبيْنَما هُمْ علَى أمْرِهِمْ » على نفس إستشارتهم وعلى نفس ما أمرهم به هرقل « أُتِيَ هِرَقْلُ برَجُلٍ أرْسَلَ به مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عن خَبَرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» ملِك غسان تأكد وتثبت أن محمدًا (ﷺ) بُعث وظهر في مكة وغلب دينه و انتشر وزاد المُتّبعون له.
فهذا ملِك غسان أخبر هرقل عن خبر رسول الله (ﷺ) « فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أمُخْتَتِنٌ هو أمْ لَا، فَنَظَرُوا إلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أنَّه مُخْتَتِنٌ » علامة هو يريد يتثبت من هذه ما رآه في النجوم كما يقول وسأله عن العرب فقال قال هذا الرجل هم يختتنون «فَقَالَ هِرَقْلُ: هذا مُلْكُ هذِه الأُمَّةِ قدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إلى صَاحِبٍ له برُومِيَةَ» هذا صاحب هرقل اسمه ضغاطر هكذا ثبت بأسانيد صحيحة ضغاطر أُسقُف أيضًا وكان في نفس منزلة هرقل في العلم عند النصارى في الدرجة العلمية من كبار علماء النصارى في ذاك الوقت ضغاطر اسمه «وكان نَظيرَه في العِلمِ، -شبيه هرقل في العلم- وسارَ هِرَقْلُ إلى حِمْصَ » كتبه هرقل إلى صاحب له برومية رومية هي روما الآن الموجودة فكتب لضغاطر هذا « وسارَ هِرَقْلُ إلى حِمْصَ» حمص دار ملكه خلاص الآن تثبت وتأكد هرقل أن هذا هو محمد (ﷺ) وكتب إلى صاحبه هذا وظهر محمدٌ (ﷺ) في مكة يخبره ولذلك ظاهر السياق يدل على أنهما صّدقا بنبوة محمد (ﷺ) هرقل وصاحبه ضغاطر، فلم يرن حمص فلم يبرح ويغادر هذا هرقل مكان ملكه ما غادر خلاص عرف أن محمدًا (ﷺ) بُعث «فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ » فلم يبرح و يغادر حمص «حتَّى أتَاهُ كِتَابٌ مِن صَاحِبِهِ » الآن أرسل له جواب من ضغاطر صاحبه أرسل لهرقل الجواب «يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ علَى خُرُوجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّهُ نَبِيٌّ » فظاهر السياق أنهما أرادا الإيمان بل آمنا بمحمد (ﷺ) لكن أخفيَّ هذا الإيمان، هو هرقل أخفى، أمَّا الآخر سيأتي الكلام عنه قال «فأذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ في دَسْكَرَةٍ له بحِمْصَ» استدعى هرقل عظماء الروم وكبار القساوسة والأساقفة علماء الروم في دسكرة يعني في قصر كبير حوله بيوت يسمونه دسكرة فجمعهم يرقب «ثُمَّ أمَرَ بأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ» خلاص الآن لا يستطيع أحد أن يخرج من هذا المكان «ثُمَّ اطَّلَعَ» صعد على مكان عالي على مكانٍ عالي هذا هرقل «فَقَالَ: يا مَعْشَرَ الرُّومِ» الآن يُخاطب الروم هو الآن على يقين بنبوة محمد (ﷺ) آمن به يريد أن يؤمن به ويذهب إليه يشهد أن لا إله إلاّ الله و أن محمد رسول الله لكن «ثُمَّ اطَّلَعَ يا مَعْشَرَ الرُّومِ، هلْ لَكُمْ في الفلاحِ والرُّشْدِ، وأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هذا النبيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلى الأبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قدْ غُلِّقَتْ» نفروا وقاموا من أماكنهم حيصة حمر الوحش تعرفون حمر الوحش إذا هجم عليها أسد ماذا تفعل؟ تشبيه حاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب يريدون أن يخرجون فوجدوها قد غُلقت «فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وأَيِسَ مِنَ الإيمَانِ» وقنط من إيمانه هو لأن الآن يخاف على نفسه لو أظهر إيمانه أمامهم «قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وقَالَ: إنِّي قُلتُ مَقالتي آنِفًا أخْتَبِرُ بهَا شِدَّتَكُمْ علَى دِينِكُمْ » يقول أنا كنت أريد أخْتبرَكُم فقط امتحنكم «أخْتَبِرُ بهَا شِدَّتَكُمْ علَى دِينِكُمْ » رسوخكم في دين على دينكم وفي دينكم فقد رأيتم شدتكم معنى كلامه هم كانوا في حالة غضب شديد منه أرادوا الإنقلاب عليه لأنهم أرادوا يخرجوا عنه «فقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا له ورَضُوا عنْه، فَكانَ ذلكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ».
هرقل بقيَ على حاله وجهز جيشا لغزو المسلمين في مؤتة وتبوك كما هو معلوم، أمَّا صاحبه ضغاطر فإنه أظهر إسلامه والقى ثيابه التي كانت عليه ثياب القساوسة والصليب والقى ثيابه التي كانت عليه ولبس بيضاء وخرج على الروم فدعاهم للإسلام شوف أسلم وصار داعية للإسلام وشهد شهادة الحق فقاموا إليه وضربوه حتى قتلوه – رحمه الله -.
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة وشُرّاح الحديث ذكروا له فوائد كثيرة، لكن فائدة واحدة قول هرقل كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب وهذا معروفٌ في الكتب القديمة وهو يعلم ذلك الإيمان إذا قويَ وتمكن من قلب العبد المؤمن وشعر المؤمن بحلاوة هذا الإيمان ولذة الطاعة فإنه لا يرتد صاحبه ولا يضعُف عن الإستمرار على الإستقامة والثبات على الدين ولا يكره شيئًا من أمر الدين فإذا قال الله عز وجل قال سمعنا وأطعنا، وإذا قال رسول الله (ﷺ) سمعنا وأطعنا والتزم واتبع سنة النبي (ﷺ) و إذا جاء شرع الله عز وجل صدّق وسلّم وعمل بشرع الله عز وجل لا يعترض على شرع الله هذا المؤمن الذي خالطت بشاشته خالطت إيمانه أو بشاشة إيمانهِ قلبه.
نسأل الله أن يثبتنا وإياكم هذا الحديث ختم به الإمام البخاري.
اقرأ أيضا:
شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله
يقول ابن حجر – رحمه الله – في شرح آخر شرح الحديث، ختم البخاري في هذا الباب باب بدأ الوحي والذي استفتحه بحديث الأعمال بالنية كما هو معلوم قال يقول الإمام البخاري لماذا اختتم أو افتتح كتاب بدء الوحي بحديث الأعمال بالنية واختتمه بحديث هرقل قصة هرقل مع أبي سفيان كأنه قال إن صدقت نيته يعني هذا هرقل، لأنه لم يُعلم هل هو مات على الكفر أم لا مثل صاحبه ضغاطر غير معروف قد أخفى إيمانه خوفًا على نفسه خوفًا على مُلكه الله أعلم فنيتُه يعلمها الله عز وجل، لذلك أتى البخاري بحديثه في آخر هذا الباب باب بدء الوحي قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة و إلا فقد خاب وخسر.
فظهرت مناسبة إيراد قصة ابن الناطور في بدء الوحي بمناسبته حديث الأعمال المُصدر به الباب، لأن الكتاب الإمام البخاري – رحمه الله – كتاب فقه لا يأتي بأي حديث تحت أي باب إلا له علاقة أو تحت أي باب له علاقة لكن العلماء الذين أتوا بعد البخاري وشرحوا كتابه منهم من احتاره ما هي علاقة هذا الحديث بهذا الباب أو بهذا الكتاب كثير من الشُرّاح توقفوا ما علموا ما هي العلاقة فاِبنُ حجر ذكر هي هذه العلاقة في شرحه لهذا الحديث في صحيح الإمام البخاري – رحمه الله – نسأل الله عز وجل أن يُفقْهنا وإياكم وأن يُثبتنا وإياكم على طاعة الله، و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.