شرح الحديث
عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يقول: “كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ: الإمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مال سيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.
حياة واحدة، يعلمنا الإسلام أن تستيقظ المسؤولية في نفوسنا وتكبر، ليقف كل واحد منا على ثغره ولنُحسن المسير، لن يتركك الله، يرزقك قوة اليوم وقوة الغد، أنت تدبر وترعى في الأرض، والله يدبر ويرعاك في السماء، ومن هنا ندرك جمالية هذا الدين.
راوي حديث كلكم راع
عبد الله بن عمر بن الخطاب، الصحابي الفقيه الزاهد العابد، وُلد بعد البعثة بعامين، أمه زينب بنت مظعون، أسلم مع أبيه، وشهد الخندق، وهو من أكثر رواة الحديث عن النبي ﷺ، فهو يأتي في المرتبة الثانية بعد أبي هريرة رضي الله عنه، كان ملازمًا للنبي ﷺ مقتديًا به في كل حركاته وسكناته، وكان جوّادًا كريمًا كثير الصدقة والإنفاق في سبيل الله، اعتزل الفتن ولم يشارك فيها، مات بمكة سنة 74 من الهجرة وعمره 86 عامًا، وهو آخر من مات من الصحابة بمكة.
وأيضا يمكن قراءة حديث عن البنات المؤنسات
معنى حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
يخبر النبي ﷺ هذه الأمة بأهمية المسؤولية، وأنه لا يوجد إنسان إلا ويوجد تحته من يتحمل مسؤوليتهم، ومن ناحية أخرى على الإنسان ألا يقدم على أمر إلا إذا تيقّن أنه قادر على تحمل مسؤوليته، لأنه سيحاسب عليها أمام الله عز وجل، ولأنه “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”.
ذكر الحديث فئات معينة، فئات تكمل بعضها البعض لترسم لنا مجتمعًا إسلاميًا متكاملًا، مجموعًا تحت قوله ﷺ: ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “.
معنى الإمام راع
تختلف المسؤوليات وتتفاوت بحسب اختلاف الرعية، فمسؤولية الإمام التي ذكرها النبي ﷺ مسؤولية واسعة تشمل الأمة جميعًا، والصورة المثلى التي يجب أن يُحتذى بها الإمام لكي يقوم على رعيته خير قيام هي أن يكون على درجة عالية من التقوى، بأن يتقي الله في رعيته، عادلًا بينهم، حريصًا على القيام بشؤونهم والنظر في مصالحهم، يحفظ شريعتهم ويدافع عنها، يقيم حدودهم، ويجاهد عدوهم، ويحميهم ممن جار عليهم.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الإمام راعيًا أمينًا، فوجب عليه بذل الجهد في حفظ رعيته على أكمل وجه، لأنه سيحاسب على القليل والكثير والكبير والصغير.
- ولنا في العمرين -عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز- أسوة حسنة:
- فقد كان عمر بن الخطاب يدعو الله بأن يوفّقه للحكم بالعدل بين الرعية، فكان إذا جاءه خصمان جثا على ركبتيه ودعا: “اللهم أعني عليهما، فإن كل واحد منهما يريدني عن ديني “.
ولم يكن عمر يقيم العدل على رعيته فحسب، بل كان يقيمه على أهل بيته وعلى نفسه أيضًا.
- أما عمر بن عبد العزيز فقد كان قريبًا من الناس، لا يرُد من يأتيه، ولا أبقى جائعًا ولا مديونًا في عهده، نشر العدل والخير في الأرض فارتفع الفقر وفاض المال، حتى أصبح الرجل ينادي بزكاته فلا يجد من يأخذها، فيرجع فيضعها في بيت المال.
أحاديث مهمة:
اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك
ما معنى الرجل راع في أهله
راعٍ في أهله -من زوجة وأولاد وخدم- بتقويمهم وتهذيبهم وإحسان تربيتهم، يرشدهم إلى طريق الخير وطاعة الله، ويبعدهم عن طريق الشر والمعاصي، ومسؤولًا في الإنفاق عليهم من ملبس ومأكل ومشرب ومسكن دون تبذير أو تقتير، فهو مطالب برعاية أهله لأنه محاسب عليها يوم القيامة.
خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه ﷺ: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا”، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”، فهذا أمر للنبي ﷺ ومنه أمر للمؤمنين أيضًا بأن يوجهوا أهلهم إلى الطاعات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك وقاية لهم من عذاب النار.
- ولنا في النبي ﷺ أسوة حسنة:
فقد كان ربيب النبي ﷺ عمرو بن أبي سلمة غلامًا صغيرًا، وكان يلعب بيده في الطعام، فقال له النبي ﷺ “يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك”، هكذا بالرفق علّمه النبي ﷺ الآداب الشرعية.
والمرأة راعية في بيت زوجها
الزوج ليس راعيًا وحده، فالمرأة مسؤولة في بيتها عن تربية أبنائها على الإسلام وصلاحهم، وخدمة زوجها، متصفة بالحكمة والتدبير، حافظة لمال زوجها منمّية له.
وعملًا بقوله تعالى: ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ” يتبين لنا أنه يجب على المرأة أن تهتم بأبنائها، تعلمهم القرآن والسنة وتؤدبهم بآداب الإسلام، وأن تقوم على شؤونهم قدر المستطاع، مع توفير ما تقتضيه الفطرة من العطف والحنان.
والصحابيات قديمًا كانوا معطاءات مضحيات، كانت الصحابية تساعد زوجها، وتربي أولادها، وتحسن تدبير بيتها، فتكسب بذلك الفضل العظيم، فقد كانت الواحدة منهن تقول لزوجها قبل أن يخرج من داره: “يا فلان نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام” فتصون زوجها ولا تدفعه لكسب المال الحرام، فالله سبحانه وتعالى سيسألها عن ذلك، والمرأة إذا قامت بمسؤوليتها تجاه بيتها وطاعة زوجها دخلت جنة ربها.
- ولنا في الصحابيات أسوة حسنة:
- فهذه أم سليم مع زوجها أبي طلحة عندما مات ولدها صبرت واحتسبت، وهي التي كانت ترعى ابنها وزوجها وتحفظ البيت، وتتصف بالأخلاق الحميدة مع الجيران والناس، قيل للنبي ﷺ: “.. وفلانة تصلي المكتوبة وتتصدق بأثوار ولا تؤذي أحدًا، فقال الرسول ﷺ هي من أهل الجنة”.
- وهاتان أسماء بنت أبي بكر وفاطمة بنت النبي ﷺ لم تشتكيا من المعيشة وكثرة العمل، بل كانتا تعينان زوجيهما في أمور الحياة.
والخادم راعٍ في مال سيده
والخادم أو العبد هو من يقيم في بيت سيده يساعده ويخدمه في شؤونه، ويعمل على حفظ مال سيده، فهو راعٍ لماله ومسؤول عنه، سواء كان هذا الخادم خاصًا أو مشتركًا، فعليه أن ينصح سيده إذا وجده مسرفًا، ولا يتهرب قائلًا أنا آخذ أجري ولا شأن لي، لأنه سيُسأل يوم القيامة: لماذا لم تنصحه؟ لماذا لم تأمره بالمعروف وتناه عن المنكر؟
ومن أمانته ومسؤوليته أيضًا أنه إذا وجد من يسرق ينهاه عن هذا المنكر، وإن لم ينتهي عنه فعليه أن يخبر صاحب المكان، وهذا من الأمانة في العمل سواء كان قليلًا أم كثيرًا.
في حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته بدأ النبي ﷺ من أكبر مسؤول -وهو الإمام- إلى أصغره -وهو الخادم-، ثم ختم الحديث بالتعميم بعد التخصيص بقوله: “وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، أي: الكل راعٍ، والكل مسؤول، والكل مُحاسبٌ على رعيته: فأعدّوا للسؤال جواب!
فوائد وفرائد حديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
- ” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”، كلمة عظيمة وهي من جوامع الكلم.
- المسؤولية عامة لكل المسلمين، وكلٌ يتحملها بحسب قدرته وطاقته.
- من أعظم المسؤوليات في المجتمع الإسلامي هي مسؤولية الإمام عن رعيته.
- مسؤولية الرجل في أهل بيته تكمن في الإحسان إليهم، والإنفاق عليهم، وحسن معاشرتهم، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم.
- المرأة مسؤولة في بيت زوجها، وذلك بحفظ بيتها، وقيامها على تربية أبنائها على الإسلام، وأن ترعى مصالحهم، فلا تفرط ولا تقصّر، لأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبها على ذلك.
- خدمة المرأة في بيتها عبادة تؤجر عليها، وذلك لأنها استجابت لأوامر ربها.
المصادر والمراجع لحديث كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
موقع الإمام ابن باز رحمه الله
بحوث الألوكة
بحوث الدرر السنية
شرح رياض الصالحين
باب وجوب أمره لأهله طاعة الله – موقع الإمام ابن باز