شرح حديث أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره ” قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟، قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته، هذا الحديث الشريف تظهر فيه معاني عظيمه جداً، وتبين رسالة للاسف الشديد يقع فيها الكثير من المسلمين ولا ينتبهون لآثارها على الشخص المغتاب لاسيما على أنفسهم حيث انها تعد من الذنوب التي تستوجب العقوبة، فالغيبة سيئة مثل النميمة، ومن يذكرأخاه المسلم بسوء، فسوف ياتي هذا الشخص الذي اغتيب يوم القيامة حتى يأخذ حقه ممن اغتابه، ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : { من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليستحله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار أو درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه }، ولإيضاح شرح الحديث بالتفصيل يرجى متابعة القراءة.
ما هي الغيبة ؟
إن الغيبة هي أن تذكر أخاك بشيء يكره سماعه عن نفسه، وقد اكد ذلك المعنى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث حيث قال : { الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته }، لذا أيها المسلم اعلم أنه عندما تتحدث بحديث عن شخص معين أمام جمع كبير أو حتى أمام شخص واحد، فإنك تكون قد وقعت في ذنب الغيبة الذي نهى الرسول عنه، فهذه غيبة محرمة، لأنها تؤذي اخيك المسلم، فقد تكون كلماتك عنه قد مست كرامته، أو كشفت عيوبه أمام غيره، وغير ذلك مما يراه المسلم الذي تم ارتكاب جرم الغيبة في حقه أنه يكره سماعه وأنه يؤذي مشاعره، وحتى لا تقع في هذا الذنب و يلتبس عليك الأمر في الإجابة على سؤال حول فلان على سبيل المثال لعقد شراكة معه أو السؤال لغرض جمع معلومات يمكنك التزام الصمت والعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت }، بهذا تنأى بنفسك عن أذية غيرك.
أما إن كان لمصلحة شرعية فيمكن أن تتكلم فيه بقدر تلك المصلحة الشرعية كمن استشارك في زواج ابنته بفلان من الناس وأنت تعلم أنه لا يصلي ويشرب الخمر فلك أن تخبره بذلك.
اقرأ أيضا:
شرح حديث الحلال بين والحرام بين
شرح حديث اذا دخل اهل الجنة الجنة
ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين
الفرق بين الغيبة والنميمة
- إن الغيبة تعني : أن يذكر المسلم أخاه المسلم بشيء يكرهه وقت غيبته، وهي محرمة إلا لمصلحة شرعية التي تستوجب عدم إخفاء شيء عن أخيك المسلم، وهي عندما يأتي فلان يسألك عن فلان أخر من حيث الأخلاق لأنه ينوي تزويجه لابنته، حينها إذا كانت أخلاقه سيئة أو كان شخص مخادع ينبغي عليك عدم إخفاء ذلك وإلا سوف تأثم .
- أما النميمة فهي : القيام بنقل حديث شخص إلى شخص أخر بعرض الفتنة بين الطرفين، وبالطبع النميمة محرمة شرعاً، وقد تبين مدى بشاعة هذا الذنب فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ»، قَالَ فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» متفق عليه
ذكرك أخاك بما ليس فيه
أن تذكر أخاك بأمر جيد هو الشيء الذي يحبه كل فرد بشكل عام، لكن أن تقول فيه ما يكره سماعه عن نفسه حتى ولو كان حقيقي هو الشيء الغير مقبول على الإطلاق، فما تحبه لنفسه ينبغي أن تحبه لأخيك، فإنه من الإيمان أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، فإذا قمت بذكره بشيء ليس فيه فقد بهته كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لمن يتحدث عن أخيه المسلم بشيء ليس فيه : { إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته }، وهنا معنى واضح وصريح بمدى سوء من يذكر شيء في أخيه بالكذب والافتراء عليه، فكفى أن من تحدثت عنه أصبح له مظلمة عندك وسوف يأتي يوم القيامة ويأخذ حقه منك، لذا من الواجب أن يدع الإنسان المسلم الغيبة في حق غيره، حتى ولو كان سيقول شيء حقيقي عن الشخص الذي يغتابه، فهذا ممنوع وذاك ممنوع أيضا، فهذه هي أخلاق المسلم الحقيقي، يترك ما نهاه عنه الإسلام، ويتبع ما أمره الله ورسوله به.
شرح حديث أتدرون ما الغيبة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ ” قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ” ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ” قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : ” إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ” ، من هذا الحديث يتبين معاني عديدة وهي كما يلي :
- في الحديث الشريف بين الرسول صلوات ربي وسلامه عليه أن الغيبة من الذنوب التي على صاحبها ذنب إن لم يتوب عنها، وهذا هو المعنى العام من الحديث، أي كره الغيبة لأنه منهي عنها تماماً، ثم يظهر معنى آخر في نفس الحديث الشريف يوضح بالتفصيل كراهة الغيبة بنوعيها الاثنين وهما غيبة بكلام ينطبق على الشخص الذي وقعت عليه الغيبة، والنوع الثاني هو الغيبة بكلام غير حقيقي في حق من وقع عليه الكلام أو بالأحرى الأذى، لأنه لا شك أن ذلك يؤذيه ويؤثر عليه بالسلب نفسياً وفي بعض الأحيان التأثير يكون على حياته لأن السمعة قد تتضرر من هذا الكلام السيء.
- عندما سأل الناس الرسول ما هي الغيبة في الحديث الشريف، لأن قولهم بأن الله ورسوله أعلم بمعنى أو تعريف الغيبة يوحي بانهم يسألون عن مفهوم الغيبة، أجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكر المسلم أخاه المسلم بشيء يكرهه، وسميت غيبة لأنها تكون في غياب الشخص المجني عليه بالكلام، وواصل الصحابة استفهامهم قائلين للنبي { قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟، فرد عليهم النبي صلوات ربي وسلامه عليه و قَالَ : { إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ” ، لتكون الغيبة شاملة الكلام الحقيقي والكلام الكذب في حق هذا الشخص.
- فالحديث منع الغيبة بشتى أنواعها لأنها تؤذي المسلم، ومن المعروف أن ” المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده”، لذا يجب أن لا يتحدث لسانك بشيء يؤذي أخيك المسلم، ولا تقل أنا تحدثت بشيء أو بصفة موجودة في تلك الشخص ولم أكذب، لأن الأصل هو في مدى مقابلة الشخص لهذا الكلام عن نفسه، فكل ما يؤذي ممنوع منعا باتا، وإذا اغتبت شخص أعلم جيداً أنه ذنب سوف تحاسب عليه، فقد قال الله عز وجل (( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ))، والغيبة من أشد أنواع الأذى.
- والبهتان هنا في الحديث معناه الرمي بالباطل والكذب، وهذا أمر عظيم وافتراء كبير منك أي : المخاطَبُ في الحديث على أخيك أي المسلمَ، وهذا ذنب عظيم لأنه رمي بالباطل مع غيبة.
أضرار الغيبة
تلحق الغيبة أضرارًا بالفرد من مختلف النواحي، سواء كان الشخص المتحدث أو الشخص المتحدث عنه، أو حتى الشخص الذي يستمع للغيبة.
إليك بعض الأضرار التي يمكن أن تنتج عن الغيبة على الفرد:
- الإثم: أهم ضرر يحصل للإنسان أنه يأثم وأنه يقع في كبيرة من الكبائر وأن هذا الأمر سبب للعقاب.
- تدهور العلاقات الاجتماعية: قد تؤدي الغيبة إلى ضعف العلاقات بين الأفراد وزعزعة الثقة المتبادلة بينهم.
- سمعة سيئة: قد يتضرر سمعة الشخص الذي يمارس الغيبة أو ينشرها، حيث يمكن أن يعتبر الناس تصرفاته سلبية وغير نبيلة ويشتهر بينهم بالسوء.
- ضمير مشوش: قد يعاني الشخص المتحدث عن غيره من ضمير مشوش وشعور بالذنب نتيجة للتحدث عن الآخرين بسلبية.
- تأثيرات نفسية سلبية: يمكن أن تؤدي الغيبة إلى تأثيرات نفسية سلبية على الشخص المتحدث عنه والمستمع، مثل القلق والاكتئاب وانخفاض الثقة بالنفس.
- تشجيع العداء: قد تثير الغيبة مشاعر الكراهية والعداء بين الأفراد وتزيد من التوتر الاجتماعي.
- انعدام الصداقات الحقيقية: قد يجد الشخص الذي يمارس الغيبة صعوبة في بناء صداقات حقيقية ومستدامة بسبب طبيعة تعامله مع الآخرين.
- إضاعة الوقت والطاقة: تشغل الغيبة وقت الشخص بشكل غير مجدي وتستنزف طاقته، حيث يمكن استخدام هذا الوقت والجهد في أنشطة أكثر إيجابية وبناءة.
- انتهاك حقوق الآخرين: الغيبة تعتبر انتهاكًا لحقوق الآخرين على السمعة الحسنة والعدل والاحترام فمن المهم احترام الأفراد وحقهم في الخصوصية وحماية سمعتهم من النميمة والتشهير.
- تفشي النميمة: قد تؤدي الغيبة إلى نشر النميمة بين الناس، مما يزيد من التوتر والصراعات داخل المجتمع.
أثر الغيبة على الأبناء
الغيبة لها أثر سلبي على الأبناء إذا تعودوا على سماع الغيبة من أفراد العائلة أو المقربين. يمكن أن يؤدي تأثير الغيبة على الأبناء إلى ما يلي:
- تقليد السلوك: قد يقلد الأبناء سلوك الغيبة الذي يلاحظونه من الآخرين، مما يزيد من انتشار هذه المعصية بين أفراد العائلة والمجتمع عموما.
- القيم الأخلاقية: قد تؤثر الغيبة على قيم الأبناء وأخلاقهم، إذ يمكن أن يفقدوا الاحترام للآخرين ويتعلموا أن التحدث عن غيرهم بسلبية هو أمر مقبول.
- ضعف الدين: حيث يغفل عن الإثم وأنه محاسب على كل كلمة ينطقها وأن الله سبحانه وتعالى يبغض هذا الأمر ويدل على ضعف إيمان صاحبه.
- علاقاتهم الاجتماعية: قد تؤدي الغيبة إلى تدهور علاقات الأبناء مع أقرانهم وتشجيع نشوء الصراعات والمشاكل الاجتماعية.
- التعامل مع المشاعر: قد يجد الأبناء صعوبة في التعامل مع مشاعرهم وتعبير عن مشاعرهم بطريقة سليمة، ويمكن أن ينجم عن ذلك مشاعر الغضب والاحتقان.
- الثقة بالنفس: قد يتأثر الأبناء بالغيبة ويشعرون بقلة الثقة بأنفسهم، خاصة إذا كان الحديث السلبي عن الآخرين يتضمن مواضيع تتعلق بهم.
- الصحة النفسية: قد يتأثر الأبناء سلبًا من الناحية النفسية بسبب الغيبة، حيث يمكن أن يزداد لديهم القلق والتوتر، وربما الاكتئاب.
لحماية الأبناء من تأثير الغيبة، يُفضل تعزيز الجانب الديني وخوف الله ومراقبته وتبادل الاحترام والتفاهم والتسامح بينهم، وتشجيعهم على التعامل مع الآخرين بخلق حسن.
نصيحة للشخص الذي يغتاب الناس
إذا كنت تعاني من عادة الغيبة وتود التوقف عن هذا السلوك السلبي، يمكنك اتباع هذه النصائح:
- استحضار الإثم وأن فعلك هذا يبغض ربك وأنك تأثم عليه وأن الغيبة تترتب عليها مفاسد كثيرة في الدين والدنيا.
- اكتشاف الأسباب: حاول فهم الأسباب وراء تفضيلك للتحدث عن الآخرين بسلبية قد تكون تتسبب الغيرة أو الشعور بالقلق أو الاحتقان.
- زرع الوعي: كن على دراية بمشاعر الآخرين وكيف يمكن أن تؤثر كلماتك السلبية على حياتهم وعلاقاتهم.
- ممارسة التحكم بالنفس: عندما يأتيك الرغبة في الغيبة، حاول التحكم بالنفس وتذكر الأضرار المحتملة لهذا السلوك على الفرد والمجتمع.
- التركيز على الإيجابيات: حاول التركيز على الجوانب الإيجابية للأشخاص بدلاً من التركيز على نقاط الضعف والعيوب.
- تذكر عيوب نفسك: قبل أن تغتاب أحد تأمل في نفسك وكم من عيب فيك فكيف تترك عيوبك ولا تصلحها وتذهب تذكر عيوب الناس ومن عيوبك الغيبة.
- التعبير عن المشاعر بشكل بناء: إذا كنت تشعر بأنك لديك مشكلة مع شخص ما، حاول التعبير عن شعورك بشكل مباشر وبطريقة بنّاء معه بدلاً من التحدث عنه للآخرين.
- تطوير التعاطف: حاول تطوير التعاطف تجاه الآخرين وفهم مشاعرهم وظروفهم، وهذا قد يساعدك في تقدير تجاربهم وتفادي التحدث عنهم بطريقة غير لائقة.
- البحث عن دعم: يمكن أن يكون التحدث مع شخص موثوق أو طلبة مشورة أخ أو شيخ أو طبيب نفسي مفيدًا لمناقشة المشكلات والعمل على تحسين سلوكياتك.
- استبدال الغيبة بالنقاش البناء: عندما تشعر برغبة في الحديث عن شخص آخر، حاول توجيه الموضوع
اقرأ أيضا:
شرح حديث الحلال بين والحرام بين
شرح حديث اذا دخل اهل الجنة الجنة
ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين
في النهاية انصحك ونفسي أيها المسلم الكريم بتذكر قوله تعالى (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))، سورة ق، الآية 18، لذا احذر وضع في حسبانك كل كلمة تتفوه بها أنها قد تجعلك في النار وقد تجعلك في الجنة، فأنت الرقيب على لسانك.