الحديث النبوي:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ”.
بفكرٍ محمديّ، وقلبٍ صديقيّ، وروحًا عُمريّة، اُسلك درب الصدّيقِين، بأدوات البناء، وبنفسٍ تواقة ما رامت لغاية إلا وتاقت لغاية أعظم، واجعل الدعاء لُغتك، والقرآن زادك.. وفي النية حكاية أخرى.
البطاقة التعريفية || الراوي
عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزى، من عباقرة الصحابة وأعظمهم، ثاني الخلفاء الراشدين، وهو أول من تسمّى بأمير المؤمنين، أمه حنتمة بنت هشام أخت أبي جهل، وُلد في مكة بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، كنيته أبو حفص، ولقبه الفاروق، وذلك لأنه فرّق بن الحق والباطل، ولأنه جهر بالإسلام وأعلنه بين المشركين منذ أن أسلم، كان يعمل في التجارة ورعي الغنم، أسلم عمر في ذي الحجة في السنة السادسة من النبوة، وافقه القرآن في الكثير من آرائه في أكثر من حادثة أشهرها نزول الحجاب، وقال عنه النبي ﷺ: “لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب”، تولّى الخلافة بعد أبو بكر الصديق عام 13 هجرية، واستمرت خلافته لمدة عشر سنوات ونصف، استُشهد عمر مطعونًا على يد أبو لؤلؤة المجوسي عام 23 هجرية وقد كان عمره 63 عامًا، ودُفن هو وأبو بكر مع النبي ﷺ في حجرة عائشة رضي الله عنها.
شرح حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
النية هي أن ينوي الإنسان فعل الشيء والعزم عليه، فالنية معناها القصد، والنية لها شأن عظيم في الإسلام، وهي شُرّعت من أجل تمييز العبادات من العادات، فمثلًا الإمساك عن الأكل والشرب قد يكون حمية، أو تداويًا، أو لأجل الصيام، فلا يمكن تمييز بعض الأعمال عن بعض إلا بالنية، والنية محلها القلب، ولا يكفي التلفّظ باللسان دون النية، كما أنه لا يشترط التلفّظ بالنية مع عزم القلب.
لمّا كانت النية لها مركزية كبيرة في الدين كان لا بد أن تكون أصل من أصول الشريعة وقاعدة أساسية من قواعد الإسلام، فلا تصح العبادات إلا بالنية، وهذا الحديث يبيّن لنا عِظم النية، وأن النية هي أُس العمل، وهي الأساس في تحديد جزاء العمل “ولِكلِّ امرِئٍ ما نَوى” فإن نوى الإنسان بعمله منفعة دنيوية لم ينل إلا هذه المنفعة، وإن نوى بعمله منفعة دينية أو تقرّبًا إلى الله نال حظه من الأجر والثواب حتى وإن كان عملًا عاديًا كالنوم والأكل، والنبي ﷺ يضرب لنا مثلًا تطبيقيًّا ليوضح لنا أثر النية في العمل، فالهجرة مثلًا من قصد بها الفرار بدينه من بلده إلى بلد يستطيع فيها إظهار دينه وعبادة الله بأمان ودون خوف فهذا مهاجر لربه ولرسوله، وهجرته مقبولة ويجازيه الله عليها، أما من هاجر ونيته غرض دنيوي كالتجارة أو النكاح “فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه” تدل على تحقير والاستهانة بما يسعى إليه من أمور الدنيا، فهجرته للدنيا وليست للآخرة، وليس له من الأجر والثواب نصيب.
ورد في أهمية هذا الحديث
اتفق الإمام الشافعي وأحمد على أن هذا الحديث يعدل ثلث العلم في أمرين:
- “يَعْنون أن الإسلام يَنتظِم أركانًا ثلاثة: عمل الجَنان، وقول اللسان، وفعل الجوارح”.
- ما ورد عن الإمام أحمد أن هذا الحديث أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده، وقال إن أصول الإسلام ثلاثة أحاديث، وعدّ منها حديث النية.
قال ابن مهدي أن حديث النية يدخل في ثلاثين بابًا من أبواب العلم، وقال الشافعي أنه يدخل في سبعين بابًا كالوضوء والصلاة والعمرة.. وغير ذلك.
ما يتعلق بنية المؤمن من شرح حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
من رحمة الله بعباده أن من شروط النية البلوغ، فكل من المجنون والصبي والنائم والمكره والمخطئ والناسي لا نية لهم، ومن رحمته أيضًا أنه من اعتاد على فعل الطاعات فحبسه حابس كمرض أو عذر فإن الله يكتب له أجر ما نواه، قال النبي ﷺ: “إذا مرِض العبد أو سافر، كُتِب له مِثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا”، ومن عظيم كرمه سبحانه أنه يجزي من أراد أن يهمّ بسيئة فلم يعملها خشية من الله، الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين وأرحم بالعبد من نفسه.
على المؤمن أن يحذر من أن يتسرّب الرياء إلى قلبه، فما إن تسرّب الرياء إلى قلبه إلا وحبط العمل، والعمل المختلط بالرياء على ثلاث أحوال:
الأولى: أن يكون العمل في الأصل رياءً لا يُراد به إلا غرض دنيوي، وهذا كحال المنافقين، وهذا حابط للعمل ويستحق صاحبه العقوبة.
الثانية: أن يكون العمل لله ويدخل فيه الرياء، وهذا أيضًا يبطل العمل، عن النبي ﷺ قال: “قال اللهُ تعالَى: أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ”.
الثالثة: أن يكون العمل لله ثم يطرأ عليه الرياء، فإن دفع الرياء فلا إثم عليه، وإن خضع للرياء فالصحيح أن أساس عمله لا يبطل، وأن الله يجازيه بنيّته الأولى.
نوايا
النية تتلخص في سؤال “لماذا تفعل هذا الأمر؟”
لماذا تبرّ والديك؟ لماذا تقرأ القرآن؟ لماذا تطلب العلم؟ هذه الدوافع والأسباب التي تجعلك تهمّ بفعل الأمر استبدلها بالنية، بالنية يحوز الإنسان على الكثير من الأجر بالعمل الواحد فقط! والإنسان إذا علم الأجر تيسّرت عليه العبادة، وشعر بلذتها، وأصبح يؤديها بكل حب وشوق دون كلل أو ملل.
نوايا قراءة القرآن
- أن أنال بكل حرف بعشر حسنات.
- أن يكون شفيعًا لي يوم القيامة.
- أن أُحشر مع السفرة الكرام البررة.
- أن ارتقي في درجات الجنة.
- أن ألبس تاج الوقار.
نوايا الصلاة
- أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
- لدخول الجنة من باب الصلاة.
- أنها تكفير للذنوب.
- أنها من أفضل الأعمال.
- أن أكون من المهتدين.
نوايا طلب العلم
- لأن الله يريد بي خيرًا.
- لكي تحفني الملائكة وتضع أجنحتها لي رضًا بما أصنع.
- لكي يسهّل الله لي طريقًا إلى الجنة.
- للوصول إلى مقام الخشية من الله.
- لكي تستغفر كل المخلوقات، حتى الملائكة.
نوايا الصلاة على النبي ﷺ
- أن يستجيب الله دعائي.
- أن يزول همي، ويفرج الله كربي.
- أن يصلي الله علي عشر مرات، ويكتب لي عشر حسنات، ويمحو عني عشر سيئات، ويرفعني عشر درجات.
- تجنب الاتصاف بالبخل.
- تزكية للنفس وتطهير للقلب.
نوايا الصيام
- أن يباعد الله وجهي عن النار سبعين خريفًا.
- إجابة الدعاء عند الفطر.
- الدخول من باب الريان.
- أن الله وملائكته يصلون على المتسحرين.
- حسن الخاتمة، والأمن من عذاب القبر.
والكثير من النوايا.. ولكي يستفيد الإنسان المسلم من هذه النوايا بشكل تطبيقي فعليه أن يجمعها في ورقة ويحفظها معه، وقبل البدء بأي عمل يقرأ النوايا ويستحضرها بقلبه، ثم يشرع في العمل.
فوائد وفرائد مرتبطة بشرح حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
- النية شرط لصحة العبادة.
- العبد يُجازى على نيته حتى ولو حبسه حابس.
- الفرق بن العبادة والعادة هو النية.
- النية محلها القلب، ولا يشترط التلفظ بها.
- من شروط قبول العمل أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى.