لا تنزع الرحمة إلا من شقي
في فلك الأخلاق المحمدية يلمع نجم “الرحمة”، وفي رحاب تلك الصفة نُبحر، نستحضر من عطر سيرته ﷺ ونستشعر، لتفهم كل نفس مهمتها وأهمية ثغرها، وليبدأ عهد التهذيب!
الحديث النبوي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: “لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ”.
البطاقة التعريفية |الراوي
أبو هريرة رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صحابي جليل، أسلم سنة سبع هجرية، وهو أكثر الصحابة رواية عن النبي ﷺ، وذلك لأنه كان ملازمًا للنبي ﷺ ويحضر مالا يحضره الصحابة لاشتغالهم بالتجارة وبحوائجهم، وكان ممن يُشهد له بحرصه على أخذ العلم وطلب الحديث، مات سنة سبع وخمسين من الهجرة عن ثمان وسبعين سنة.
ما صحة حديث لا تنزع الرحمة إلا من شقي
شرح حديث لا تنزع الرحمة إلا من شقي
- اسم الله الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم كانت فاتحة كل سورة، وبالرحمة تستفتحُ الأعمال وتبدأ النوايا، فالرحمة كانت بداية كل خطوة وكل بداية..
وانطلاقًا من قوله ﷺ: “الراحمون يرحمهم الرحمن” أنت تتصف بمقتضى، صفة من صفات ربك، وتستظل بظلها، رحمة واحدة أنزلها الله على عباده من مائة رحمة ومنها يتراحم الخلق وتُضيئ قلوبهم..
نبينا ومعلمنا ﷺ علمنا الرحمة والرفق واللين في أقوالنا وأفعالنا وفي تعاملنا مع الناس، والرحمة جوهرها عند المخلوقين رقة القلب وقصد المنفعة للناس وإرادة الخير لهم، وهي سمة الإيمان، فمن فَقَدَ علامة الرحمة فَقَدَ علامة الإيمان، ومن فَقَدَ الإيمان كان في تعداد الأشقياء.
الرحمة بالآخرين خلق جميل، وهو أمر يحبه الله ويرضاه لعباده المؤمنين، إذ هو هدي النبي ﷺ مع الناس وخاصة مع المؤمنين، وقد علّم النبي ﷺ أصحابه خلق الرحمة ليتراحموا بينهم وتكون قلوبهم وأرواحهم محفوفة باللين والمحبة، فعلى العبد أن يتأسّى برحمة النبي ﷺ، وأن يكون مرهف القلب ليّن، يرأف بمن حوله، يرحم الضعيف، ويحنوا على المسكين، ويرق للحزين، فكلما كان العبد رقيق القلب محسنًا رحيمًا مع إخوانه، كان نصيبه من رحمة الله أعظم وأكبر “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”.
والرحمة لا تنحصر في البشر فقط، بل تشمل أيضًا الحيوانات، والنبي ﷺ شدد على ذوي القلوب القاسية من يستهينون بآلام الحيوانات وجوعها، بل منهم من يستلذ بتعذيبها، فهذه امرأة دخلت النار في هرة حبستها ولم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، ومن جهة أخرى رجل ملأ خفّه ليسقي كلبًا كان يلهث، فشكر الله له وغفر له.
- تحت شعار “كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ” لنكون رحماء بأنفسنا وبقلوبنا ولمن حولنا وبكل شيء.
لنت لهم إضاءات من حياة النبي ﷺ
في رحلة البحث عن الرحمة.. نتنقل في حياة النبي ﷺ ونستوحي منها الشيم ومكارم الأخلاق، وعندما يلمس القلب ويعلم، فذاك أوان العمل.
- جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فرآه يقبّل الصبيان، فتعجب قائلًا: أتقبّلون الصبيان؟ فما نقبّلهم، فقال النبي ﷺ: أوَ أَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ!
- قبّل النبي ﷺ حفيده الحسن بن علي، وكان الأقرع بن حابس عنده فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدًا منهم، فقال له النبي ﷺ: “مَن لا يَرحم لا يُرحم”.
- رأى النبي ﷺ بعض أصحابه قد أخذوا فرخي طائر صغير فجعلت ترفرف فزعًا، فقال النبي ﷺ: “من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها”.
- النبي ﷺ كان إذا دخل الصلاة نوى الإطالة، حتى إذا سمع بكاء طفل قصر وخفف فيها، قال ﷺ: “إنِّي لأدخُلُ في الصلاة، وأنا أُريدُ إِطالتها، فأسمع بكاء الصبيّ فأتجوَّزُ في صلاتي، ممَّا أعلمُ من شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ من بكائه”.
رحماء بينهم إضاءات من حياة الصالحين
- أبو الدرداء ذو القلب الرحيم الرقيق، عندما مات بعيره وقف أمامه وقال: “يا أيها البعير، لا تخاصمني إلى ربك، فإني لم أكن أُحمِّلك فوق طاقتك”.
- كان أبو برزة الأسلمي له جفنة -أي قصعة- من ثريد غدوة وجفنة عشية، يطعمها للمساكين واليتامى والأرامل.
- كتب عمر بن عبد العزيز إلى حيان عامله على مصر أنه بلغه أن الإبل النقّالة يُحمل عليها ألف رطل، ومن ثم أمره ألا يُحمل على الإبل أكثر من ستمائة رطل.
واقرأ أيضا: شرح حديث مثل المؤمنين في توادهم
كيف تعرف ان الشخص قاسي القلب
حكم على أصحاب القلوب القاسية بالويل والشقاء! فلماذا كتب الله عز وجل عليهم هذا العقاب الشديد؟ وكيف النجاة حتى لا تنتزع الرحمة من قلوبنا فنهلك؟
الإنسان لا بد أن يشخص قلبه في مسألة الرحمة، ومن ثم يبحث عن أفضل علاج، علاج يأنس به ويضعه في منطقة الأمان.
القلب القاسي علامته الغلظة والشدة والصلابة في الأقوال والأفعال، فهو مرض قلبي تظهر أعراضه على هيئة ذهاب اللين، والتهاون فيما يلحق الآخرين من الإيذاء والألم، والتكبر عن سماع الحق، وقلة الخشية، وكثرة الغفلة، والتجهم في القول، وعدم الانفعال للخير، وإنها لأعراض خطيرة، من البديهي أن تتسبب في نفور الآخرين وابتعادهم لئلا يصيبهم جانب من هذه القسوة، ولكن هل تستحق القسوة هذا التشديد كله؟!
لماذا التشديد على بُغض القلوب القاسية؟
تخيل عالما لا يعيش فيه إلا ذوي القلوب القاسية، ماذا سيكون حالهم وحال من معهم؟! لا بد وأن ينتشر الظلم والعدوان والجشع وحب الذات واستعباد الآخرين، ومجتمع كهذا لا أمان فيه ولا اطمئنان، لذا عدها حذيفة المرعشي أعظم المصائب فقال: “ما ابتلي أحد بمصيبة، أعظم عليه من قسوة قلبه”، بل إن حارثة بن وهب سمع النبي ﷺ يقول: “أهل النار كل جواظ عتل مستكبر”، فلماذا هو من أهل النار؟ لأن هذا القلب القاسي أصبح أسيرًا للذنوب لا يكاد يقلع عن ذنب منها إلا ويقع فيما هو أعظم حتى تأخذ بمجامع قلبه فلا يستطيع الفكاك منها، بل ويحارب من يحول بينه وبينها.
آثار قسوة القلب
صاحب القلب القاسي يسيء الفهم وقد يحرف الكلم عن مواضعه وينسى ما ذكره الله به يقول جل وعلا: “فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ”، كما أنه يعاقب بزوال النعم ونزول المصائب وتكون قساوة قلبه سببا في ضعف إيمانه وفتوره عن الطاعة وسرعة وقوعه في الفتن والضلال والشبهات وتركه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ويكون هو نفسه سببا لضلال من حوله ومن ثم يشعر بالوحشة والخوف والكآبة.
علامات قسوة القلب
ولكي يكون العبد في مأمن من قسوة القلب، هناك بعض العلامات التي يستدل بها على صاحب القلب القاسي:
- لا يتأثر بآيات القرآن الكريم.
- يتكاسل عن أداء العبادات.
- لا يبكي من خشية الله عز وجل.
- لا يتعظ بالموت.
- يتكبر عن قبول الحق.
- لا يحسن الظن بالآخرين ويقصر في علاقاته معهم.
اقرأ أيضا:
الراحمون يرحمهم الرحمن | أفكار تفاعلية
بعد ما عرفنا قساة القلب وصفاتهم ونهجهم، كيف السبيل إلى الرحمة؟
هذه بعض الطرق العملية التي يمكن للإنسان أن يتبعها ليدخل -إن شاء الله- في زمرة الراحمين:
- إطعام الحيوانات في الشارع وعدم تعذيبها
- الإحسان في قتل الحيوان وذبحه.
- إطعام المساكين والفقراء واليتامى.
- إنظار المعسر، بإعطائه قدر من الزمن لسداد دينه.
- العطف على الأبناء والتودد إليهم.
- الستر على من أذنب وأخطأ، ونصحه وإرشاده إلى الصواب.
- كف الأذى عن الناس بالقول والفعل في دينهم وأموالهم وأبدانهم.
ما نتيجه سلب الرحمه من القلوب
نتيجة سلب الرحمة من القلوب وخيمة فسلب الرحمة من القلوب يؤدي إلى نتائج سلبية متعددة يتضمن ذلك فقدان الشفقة والتعاطف، وزيادة العداء والعنف، وضعف العلاقات الاجتماعية، ونقص التعاون والتضامن وتؤثر هذه النتائج في استقرار المجتمع وتعزز الانقسام والعزلة، وتقوض القيم الإسلامية الأساسية.
انظر:
هل الذنوب تقسي القلب
نعم الذنوب تقسي القلب وتبعده عن الطريق الصحيح فعندما يقترف الإنسان الذنوب، يزداد تشتته وتباعده عن الله عز وجل والقيم الإسلامية فالذنبوب تعرقل الإنسان وتحجب القلب وتضعف بصيرته وتضعف إيمانه.
أحاديث أخرى للقراءة: