فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّريد عَلَى سائر الطعام”.

في ساحة الصادقات أنوارٌ وأنوارٌ وأنوار.. آمنوا، فعاشوا لها ولأجلها، ليفوح من شذى إيمانهم وثباتهم: “أنّ من سار على الدرب الإلهي سيُعاني.. ولكنه سيُعان”.

إن تاهت الخطى كان الإيمان دليلًا..

وإن اشتد الألم كان الإيمان طبيبًا.

 

راوي حديث فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام

أبو موسى الأشعري، هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حرب بن عامر بن الأشعر، وكنيته أبو موسى الأشعري، من صحابة رسول الله ﷺ، أسلم قديمًا بمكة، كان من أندى الناس صوتًا بالقرآن حتى قال له النبي ﷺ: “لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ”، اشتهر بالعلم والحياء والورع وكثرة العبادة، وكان يسعى لنشر العلم وتعليم القرآن للناس، روى عن النبي ﷺ 360 حديثًا، وقد ذكر الشعبي أعلم ستة من الصحابة وعدّ منهم أبو موسى، مات بالكوفة وقيل بمكة عام 42 أو 44 هجرية عن 63 سنة.

 

في ظلال حديث فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام

بلغ الكثير من الرجال مرتبة الكمال في الأخلاق والفضائل والخصال الحميدة من البر والتقوى، وهؤلاء كالصالحين والأولياء والعلماء والصديقين والشهداء، فهؤلاء بلغوا مرتبة الكمال العادي، ومنهم من بلغ أسمى مراتب الكمال وأعلاها وأكملها وهم الرسل، وأفضل الرسل خاتمهم محمد ﷺ.

من ناحية أخرى، لم يقتصر الكمال على الرجال فقط، بل شمل النساء أيضًا، لكن لم يكمل منهن سوى القليل وهم: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وعائشة بنت أبي بكر.

فهذه مريم عليها السلام ضرب الله بها مثلًا في حصانتها لنفسها وفي عبادتها وصبرها، وهذه آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، آمنت بربها ورب موسى، ولم يمنعها إيمانها كونها زوجة فرعون أعتى طاغية في الأرض.

هذا الحديث ليس مقتصرًا في الأخلاق الحميدة وصفات الصلاح والتقوى على العصور ما قبل الإسلام فقط، بل شمل غيرهن من نساء هذه الأمة أيضًا ألا وهي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

“وفَضلُ عائشةَ على النِّساءِ” لم يعطف النبي ﷺ عائشة على مريم وآسية، بل ذكرها بصيغة مستقلة عنهم دلالةً على اختصاصها وميزتها عن غيرها من باقي النساء، والمقصود بالنساء: قيل نساء الأمة، وقيل زوجات النبي ﷺ.

“كفَضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ” يقصد بالثريد قِطع الخبز المفتتة، والتي توضع فوق اللحم والمرق، ويقصد بالفضيلة هنا: الانتفاع منه وسهوله تناوله ومضغه والاكتفاء به، فهو أفضل من غيره من الأطعمة.

وهذا تشبيه بأن فضل عائشة رضي الله عنها على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

وفيه أيضًا إشارة إلى ما تميزت به عائشة عن غيرها من طيب الخلق، وحُسن الصفات من الصلاح والتقوى، ورزانة العقل، وحسن الرأي والمنطق، والعلم بالفقه والطب والشعر، وفصاحة الكلام، ويكفي حُبها للنبي ﷺ والتحدث بحديثه، وروايتها لكثير من الأحاديث ما لم يروِ غيرها من الرجال، وأنها عقلت وأبصرت من النبي ﷺ ما لم يدرك غيرها من باقي النساء.

من المقالات المفيدة لدينا: لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات

 

الصدّيقة عائشة رضي الله عنها

عائشة رضي الله عنها الصدّيقة المكرمة، الطاهرة المطهّرة، ابنة الصديق أبو بكر أحب الرجال إلى النبي ﷺ، المبرّأة من فوق سبع سماوات بقرآن يُتلى إلى قيام الساعة، ولدت في الإسلام، وهي القائلة: “لم أعقلْ أبويَّ إلاَّ وهما يَدينان الدِّين”، تزوج بها النبي ﷺ في شهر شوال فكانت أحب زوجاته إليه، وقبل أن يتزوج بها النبي ﷺ رآها في منامه، فقد أتاه جبريل عليه السلام يحمل صورتها إليه قائلًا له: “هذه زوجتك في الدنيا والآخرة”.

ومن ثم كانت عائشة في حياة النبي ﷺ شيئًا مميزًا غير باقي نسائه، يُسَر بقربها، ويستأنس بالحديث معها، وكان يعرف حال رضاها من سخطها، فعن النبي ﷺ أنه قال: “إنِّي لأعلمُ إذا كنتِ عنِّي راضية، وإذا كنتِ عليَّ غضْبَى، قالت: وكيف يا رسول الله؟ قال: إذا كنتِ عنِّي راضيةً، قلتِ: لا، وربِّ محمَّد، وإذا كنتِ عليَّ غضبَى قلتِ: لا، وربِّ إبراهيم، قالت: أجلْ، والله ما أهجر إلاَّ اسمك”، وعندما مرض النبي ﷺ قبل وفاته طلب أن يُمرّض في بيت عائشة، واستأذن زوجاته في ذلك، فوافقن لمعرفتهن بمكانة عائشة عند النبي ﷺ.

كانت عائشة موقّرة من قِبل الصحابة، يعرفون منزلتها وقدرها، إذ أنها كانت على قدر كبير من العلم والفقه، فهي من أفقه الصحابة وأعلمهم، وأعلم نساء الأمة على الإطلاق، كانت تُحسن الفرائض (علم المواريث)، فكانت بمثابة مرجع لهم يرشدهم إلى الصواب، قال أبو موسى الأشعري: “ما أُشكل علينا -أصحابَ محمَّد ﷺ- حديثٌ قطُّ، فسألْنا عائشةَ، إلاَّ وجدْنا عندها منه عِلمًا”، فدل هذا على مكانتها العلمية بين الصحابة.

كانت عائشة صوّامة قوّامة، تُكثر من أعمال البر والصدقة، ونادرًا ما يبقى عندها مال لكثرة بذلها وعطائها، فلا تمضي ليلتها إلا وقد فرّقته على المحتاجين.

 

 

أما روايتها للأحاديث فكانت من أكثر الصحابة حفظًا للحديث، فهي في المرتبة الرابعة من أكثر الصحابة رواية عن النبي ﷺ، وقد بلغ عدد مروياتها 2210 حديث، كيف لا وهي عاشت في البيت النبوي وتلقت العلم من معلم الأمة محمد ﷺ، قال عنها الذهبي: “روت عن النبي ﷺ علمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه”.

حين حضرتها الوفاة دخل عليها ابن عباس وأخذ يذكر محاسنها ومآثرها، وأنها أحب زوجات النبي ﷺ إليه، وأنها مبرّأة من فوق سبع سماوات، وأنها سبب لنزول رخصة التيمم، فقالت له: “دعني يا ابن العباس، فو الله وددت أني كنت نسيًا منسيًا”.

ومما يجب على كل مسلم أن يعتقد ويؤمن بأنها مطهرة ومبرّأة مما يقول به أهل الكذب والبهتان، فمن زَعَم في عائشة ما يقوله المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أُبي بن سلول والرافضة كان كافرًا بإجماع المسلمين، فقد قال القاضي أبو يعلى: “من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كَفَرَ بلا خلاف”، وهذا الإجماع غير مُتفرّد به، فقد قال مالك: “مَن سبَّ أبا بكر جُلد، ومَن سبَّ عائشة قُتل، قيل له: لِمَ؟ قال: مَن رماها فقد خالف القرآن”.

تُوفيت رضي الله عنها في خلافة سيدنا معاوية في عام 58 هجرية عن عمر 66 عامًا، ودفنت بالبقيع.

هذه عائشة الصدّيقة بنت الصديق، لها من الإسهامات في بناء هذا الدين ونشره ما لها، بمآثرها ومناقبها الخالدة رسمت الطريق لمن بعدها، فهي أُسوة حسنة لكل امرأة مسلمة.

شرح حديث من تعار من الليل

فوائد

  • فيه منقبة لعائشة رضي الله عنها وتفضيلها على غيرها من النساء تفضيلًا كثيرًا.
  • بيان أن الرجال كمل منهم الكثير، وأعلاهم وأكملهم هم الأنبياء والرسل، ولم يكمل من النساء سوى القليل وهم: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون.
Scroll to Top