عن علي رضي الله عنه قال: “لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا؛ فإن من ورائكم بلاء مبرحا مملحا، وأمورا متماحلة ردحا” وهذا قد أخرجه البخاري في الأدب المفرد بإسناد حسن
شرح أثر لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا
لا تكونوا عجلا: أي لا تستعجلوا في الأمور عند الفتن لأنها تستخف الإنسان كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : “إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ ، فَعَلَيْكُمْ بِالتُؤَدَةِ”
وقال حذيفة رضي الله عنه : “وكل راكب موضع وكل خطيب مصقع”
كل راكب موضع: أي في الفتن وهو المسرع في الفتن بفرسه
كل خطيب مصقع: أي المسرع بالفتن بلسانه
فلا ينبغي للإنسان أن يكون ساعيا في اشتدادها واشتعالها بكلامه ومقاله: بأن يكون مذياعًا للفتنة مذياعا للشر.
مذاييع بذرا : أي تذيعون كل خبر وتبذرون الفتن لأن في الفتن الشائعات تشيع والكذب يفشو والأسماع تنتظر كل خبر والقلوب ترجف من كل حدث، وهو جمع مذياع، من أذاع الشيء،
البذر جمع بذور الذي لا يستطيع أن يكتم سره، أي المفشون للأسرار.
يقول الإمام البغوي في شرح السنة: هم الذين يفشون لما يسمعون من السر ، يقال : أذاع السر ،
إذا أفشاه ، قال الله عز وجل{ أذَاعُوا بهِ } (النساء : 83 ) والبذر من قولهم : بذرت الكلام بين الناس كما يبذر الحبوب ، واحدها بذور. اهـ.
وفيه أيضا أن العالم إذا قال خبرا أو قال شيئا لا يكون مثل غيره
بلاء مبرحا مملحا : أي أن البلاء سيزداد بعدكم في الناس حتى يؤثر فيهم تأثيرا عظيما مبرحا مملحا أي يلازمكم غمه حتى يظهر الغم في وجوهكم مكلحة مظلمة من شدة الهم والغم لا تجد إلى البسمة سبيلا
وفي بعض الطرق: (مكلحا) أي: يكلح الناس لشدته، والكلوح: العبوس.
ردحا : أي أمور عظيمة متواصلة يدوم أمدها ولا ينجو فيها إلا المبتعد الذي لا يبدو فيها بشيء
ولا ينجو فيها إلا الساكت الذي لا يحدث شيئا
فلابد من الابتعاد عن الفتن والابتعاد يكون: بالفعل ويكون بالجسد من وجد ملجئا أو معاذا فليعذ به في الصحيحين وقال: “العبادة في الهرج كهجرة إليّ”
فمن الخطأ الكبير ما نشاهده في المواقع التواصل وهو نذير شر وبلاء على الأمة أن يخوض الصغير والكبير في الفتن ويتصدر الكل للتحاليل السياسية والأخبار الغربية وغيرها
ويتهمون الكبار بالتقاعس وعدم نصرة الحق وعدم الغيرة ويتهمونهم بتمييع الدين والسكوت عن الباطل
اقرأ أيضا:
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة
شرح حديث سيد الاستغفار
فوائد لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا
حذّر رضي الله عنه من أمور ثلاثة يتورط فيها كثير من الناس عند الفتن فتوقدها وتفضي إلى تزايدها وتفاقمها:
الأول: الاندفاع والتهور والعجلة وعدم التأمل في عواقب الأمور، والعجلة لا تأتي بخير، ومن كان عجولاً في أموره مندفعاً في تصرفاته فإنَّه لا يأمن على نفسه من الزلل والانحراف، بل المطلوب الروية والتأني فتكون تابعا في الخير خير من أن تكون رأسا في الشر، فينبغي استشارة العلماء وأهل الخير والصلاح.
الثاني: إشاعة الكلام دون تثبُّت ودون رويَّة، والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة، ولو صحت فالواجب التأمل قبل نقلها، هل في نقلها مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟، وهذا جانب خطير يحذر منه علي رضي الله عنه، فهؤلاء ينقلون كل خبر لا ينظرون صحته ولا نفعه وهل يصلح للنقل والنشر، خاصة الأخبار التي تتعلق بالأمة فلابد من الاستشارة قبل نقله.
الثالث: اشعال نار الفتنة وزرع بذور الشر بالنميمة والإفساد بين الناس وإذكاء موجبات الفرقة والتطاحن والعداوة بين المسلمين، فمن الناس من يبتلى بمثل هذا المرض وهو اشعال الفتن ونشرها.
ويستفاد من هذا الأثر أن من أعظم ما يدفع الفتن ما ورد ذكره فيه.
وفيه أن شريعة الله عز وجل جاءت بما فيه سياسة الناس أكمل سياسة، واصلاحهم على أحسن الحال والعبد لا يزال بخير ما كان ماضيا على هذا المبدأ العظيم وشاورهم في الأمر
ننصحك أيضا بـ
شرح حديث المؤنسات الغاليات
شرح حديث اني لاعطي الرجل وغيره احب الي منه
اذا دخل اهل الجنة الجنة
المراجع والمصادر لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا
شرح السنة للإمام البغوي رحمه الله
غريب الحديث لإبن قتيبة 2/ 100
النهاية لابن الأثير 4/ 196
شرح الشيخ عبد الرزاق البدر وفقه الله.
شرح الشيخ محمد بن غيث الغيث وفقه الله.
شرح الشيخ عبد السلام الشويعر وفقه الله.