ما نزل بلاء إلا بذنب

المقدمة:  ورد في الأثر عن علي بن أبي طالب: ما نزل بلاء إلا بذنب، فترى ما مدى صحة الأثر ما نزل بلاء إلا بذنب؟ ،  وكيف نجمع بين نص: “ما وقع بلاء إلا بذنب” وحديث: “قال: قلت: يا رسول الله،  أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ ، هل يرفع الله البلاء بعد التوبة؟ ، هذا ما نتعلمه سوياً اليوم معاً.

 

متن الأثر ما نزل بلاء إلا بذنب

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ” ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة “

 

ما صحة حديث ما نزل بلاء الا بذنب

هذا ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ورد أثر بلفظ “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة” وهذا الأثر مروي من كلام بعض السلف الصالح، منهم: العباس، وعلي (رضي الله عنهما)، كما صححه الألباني في التوسل، فلا يقال هو حديث صحيح إنما أهو أثر

 

ما معنى ما نزل بلاء إلا بذنب

لكي نشرح لك اليوم معنى ما نزل بلاء إلا بذنب، سنذهب لما قاله ابن القيم رحمه الله في هذا الأثر في “الجواب الكافي” لابن القيم، ولقد فسر لنا هذا الأثر في فصل “ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم وتحل النقم”، حيث قال لنا فيه أنه ما أزال الله نعمة من عبد من عباده إلا بذنب، واستند بذلك لقوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} وقال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

حيث أخبرنا الله عز وجل أنه لن يبدل نعمة عند عبده بنقمة إلا بمعصية عصى الله عز وجل بها، فحينها يغضب الله عز وجل على العبد وينزل عليه غضبه بما كسبت يداه غير ظالم له، وانه إن أراد رفع الابتلاء عنه  فعليه بالتوبة والإقبال على الله عز وجل بالطاعات، فيبدل الله سبحانه وتعالى الابتلاء والعقوبة بالعافية والرحمة والعطاء مرة أخرى.

ذلك لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ).

اقرأ أيضا ما معنى المؤنسات الغاليات

 

كيف نجمع بين “ما وقع بلاء إلا بذنب” وحديث “قال: قلت: يا رسول الله،  أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟  

فكما ذكرنا أن الأثر “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة” مروي من كلام بعض السلف الصالح، منهم: العباس، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، كما صححه الألباني في التوسل، وأما الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل… فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة” رواه البخاري.

وقد قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً.  

لهذا لا يوجد تعارض بين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأثر المذكور لكون هذا متوقف على النقاط التالية:

  • حال المبتلى فمن ابتلاه الله وهو على طاعة ومقربة من الله سبحان الله وتعالى، ليس كمن ابتلاه الله وهو على معصية وغضب الله عليه، لهذا ستجد الإنسان هو أدرى الناس بسبب الابتلاء، لأنه أدرى بحاله مع الله في السر والعلن، فقد يكون صالحاً مصلحاََ بين الناس ويبتليه الله بسبب معصية فعلها بالخفاء.
  • حال المبتلى بعد وقوع الابتلاء عليه من الله سبحانه وتعالى، يظهر للمبتلى حقيقة إيمانه وصدقه مع الله عز وجل، فإن صبر واحتسب ورضى ليقينه المطلق بأن الله سبحان وتعالى أراد به خيراً ليرفع درجاته ويغفر له خطاياه، حينها يجزيه الله أجر الصبر والاحتساب في الدنيا والأخرة.

 

المنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء

قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح “وَلِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُبْتَلَوْا لَتُوُهِّمَ فِيهِمُ الْأُلُوهِيَّةُ، وَلِيُتَوَهَّنَ عَلَى الأمة الصبر على البلية” ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرعًا والتجاء إلى الله تعالى

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: “والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء”

جاء في فيض القدير للمناوي رحمة الله عليه: “لأن المؤمن محبوب الله وإذا أحبه عرضه للبلاء وذلك يتضمن ألطافا على حسب حاله من مقامات الإيمان إما تكفير الذنوب أو ابتلاه ليظهر صبره أو لرفع درجة لا يبلغها إلا بالبلاء ويبتليه أيضا في الدنيا بتنويع محنها لئلا
يحبها ويطمئن إلى رخائها فيشق عليه الخروج منها”

أما إن سخط العبد على الابتلاء زاد غضب الله عليه، تيقن أن هذا الابتلاء ما نزل عليه إلا بسبب ذنوبه وعدم صدق إيمانه، صدقاً لقوله تعالى: قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.  

  • كما أن نوع الابتلاء يجعلك تعرف هل الابتلاء لرفع دراجاتك عند الله  سبحانه وتعالى، أم للرحمة بك ودفع الأذى عنك، أو أنه عقاب أنزله الله عليك، فالمبتلى في دينه هو مبتلى لعقاب الله عليه للأتيان بمعصية أدت لنقص إيمانه لله عز وجل.
  • أما المبتلى في أمور دنياه وهو يرى أن كل حرمانه منها أو عطاء الله له فيها كلاهما خير لكونه ما يبتغي من الدنيا سوى رضى الله عليه وأن الله لن يرد به إلا خيراً فليتيقن أن ما ابتلاه ربه إلا رحمة ورفعه في درجاته عنده سبحانه وتعالى.

 

هل كل الابتلاء من الله بسبب الذنوب

الأصل أن يتعامل الإنسان مع ربه على كونه مقصر مع الله، فمن منا يتيقن أن الله يقبل كل أعماله وأنه من الصالحين، ومن منا يرى في نفسه أنه لا يخطأ أو يقع في الذنوب والمعاصي، لكون كل بنى آدم خطاء.

لذلك يجب أن تفترض دائماً في نفسك التقصير وأن تتيقن بأن ما نزل بلاء إلا بذنب، فعندما يقع بك الذنب لا تسأل الله لما أنزله بك فتقع في الاعتراض على قضاء الله وقدره بل عليك أن تسأل نفسك بأي ذنب ابتلاك الله به لتستغفر الله عز وجل به وترجوا رحمته ورضاه.

ما هو اشد انواع الابتلاء؟

أشد أنواع الابتلاء هو الذي يبتلى العبد فيها في دينه، لذلك ندعي الله أن لا يجعل ابتلائنا في ديننا، كما أصعب أنواع العقوبة هو أن يأجل الله عقوبة الذنوب في الدنيا ليعاقبك بها في الآخرة، لذلك يجب أنه حتى ما نزل بلاء إلا بذنب وعوقبت به في الدنيا فهو أيضاً خير لك

ومن أصعب الابتلاءات التي قد يتعرض لها المسلم أن يؤخر الله له العقوبة على المعصية في الآخرة، ولهذا دعا أحد الصحابة أن يعجل الله له العقوبة في الدنيا، فأمره النبي أن يسأل الله العافية” منوها أن الإنسان إذا عوقب في الدنيا فليعلم أن الله قد رحمه.

هل يرفع الله البلاء بعد التوبة؟

إذا كان الله سبحانه وتعالى أنزل بك العقوبة بذنب فاستغفر الله وتب إليه، وتيقن أنك بالرغم من عصيانك له فما ابتلاك إلا ليرحمك من عقابه في الآخرة ويرجعك إليه.

لذلك ارض بقضاء الله واستغفر له ليرفع عنك الابتلاء، وذلك لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: 33].

 

 في نهاية مطافنا اليوم في أثر ما نزل بلاء إلا بذنب، نبشرك بأنك إن صبرت واحتسبت لحظة وقوع الابتلاء، ثم استغفرت لذنبك ورجوت الله يرضى عنك، سيرفع ابتلائه عنك ويبدله برحمة منه وفضل، وتيقن أنك كلما أحسنت الظن بالله أكرمك وكان عند حسن ظنك به.

Scroll to Top