شرح حديث صلصلة الجرس

شرح حديث صلصلة الجرس

قال الإمام الزبيدي رحمه الله تعالى في مختصرهِ على صحيح البخاري تحت كتاب بدء الوحي إلى رسول الله (ﷺ) « عن عائشة أُمِّ المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّ الحارثَ بن هشام -رضي الله عنه- سأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، كيف يأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أحْيانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَة الجَرَس، وهو أَشدُّه عليَّ، فيَفْصِمُ عنِّي وقد وَعَيْتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُني فأَعِي ما يقول». قالت عائشة -رضي الله عنها-: ولقد رأيتُه ينزِل عليه الوَحْيُ في اليومِ الشديدِ البرْدِ، فيَفْصِمُ عنه وإنَّ جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

 

عَلمنا من الدرس السابق لماذا بدأ الإمام البُخاري – رحمه الله – كتابه الصحيح بكتابهِ بدء الوحي إلى رسول الله (ﷺ) وعلمنا أنه بدأهُ لأن الكتاب وهو صحيح البخاري لما كان لجمع وحي السُنة صدّره ببدء الوحي، ولمَّا كان الوحيُ لبيان الأعمال الشرعية صدّره بحديث الأعمال بالنية كما مر معنا الحديث الأول.

الحديث الثاني في هذا المختصر حديث عائشة – رضي الله – عنها أن الحارث بن هشام رضي الله صحابي جليل المخزومي رضي الله عنه اخو أبي جهل و أسلمَ يوم الفتح الحارث بن هشام -رضي الله – عنه يروي لنا هذا الحديث عن رسول الله (ﷺ) أنه سأل رسول الله (ﷺ) فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟

عرفنا أن الوحي تعريفه هو: الإعلام بالشرع، الوحي هو الإعلام بالشرع

كيف يأتيك الوحي؟ يعني ما هي صفة الوحي؟ فقال رسول الله (ﷺ) أحيانًا يأتيني يعني أوقاتًا يأتيني مثل صلصلة الجرس: صوت شديد و له طنين

و الجرس هو الجُلجُل صوت مثل صوت الجرس مشابه لصوت الجرس

«وهو أَشدُّه عليَّ» أكثر مشقة من كيفيات نزول الوحي هذه الصفة مثل صلصلة الجرس مشابه لصوت الجرس «وهو أَشدُّه عليَّ» أكثر مشقة منه الصفات الأخرى

«فيَفْصِمُ عنِّي» يُقلع عني الوحي أو الملك «وقد وَعَيْتُ عنه ما قال» وقد فهمتُ وحفظتُ ما قال الملك «و أحيانًا» إذًا أوقات أخرى « يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا» يتصور لي الملك رجلًا «فيُكَلِّمُني» الملك جبريل عليه السلام هُنا المقصود رجلًا أحيانًا يكون هذا الرجل كما صح في الأحاديث عند مسلم وعند غيره كصورة الصحابي الجليل دحية الكلبي -رضي الله عنه- و أحيانًا بصورة رجل آخر.

وحديث جبريل مر معنا في الأربعين النووية و أنه أتى إلى النبي (ﷺ) بثياب بيضاء وسأل النبي (ﷺ) الأسئلة عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان وغيرها فجاء على صورة رجل شديد بياض الثياب كما جاء الوصف، فهذه هي الكيفية الثانية «وأحيانًا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُني فأَعِي ما يقول» جاء عند مسلم نفس الحديث وهو أهون عليه أهون شيء يأتي جبريل عليه السلام على صورة رجل فيوحي إلى النبي (ﷺ) ما أرسله الله عز وجل بهِ

قالت عائشة -رضي الله عنها- : ولقد رأيتُه ينزِل عليه الوَحْيُ في اليومِ الشديدِ البرْدِ، فيَفْصِمُ عنه (ﷺ)، اليوم الشديد البرد، الشديد هنا صفة للبرد لكن جاءت متقدمة يعني في البرد الشديد برد شديد فيفصم عنه الملك يقلع عنه ويذهب عنه وإنَّ جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا، يوم شديد البرودة لكنه يعرق (ﷺ) من شدة نزول الوحي من شدة الوحي وإن جبينه ليتفصدُ، يتفصدُ؛ يعني يسيل عرقًا في البرد الشديد وفيه دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، والجبين غيرُ الجبهة هذه الجبهة أمَّا الجبين فهو غير الجبهة وهو فوق الصدغ والصدغ ما بين العين والأذن هذا المكان هو الصدغ ما فوقه هذا هو الجبين وهذا هنا الجبهة، هذا هو الجبين اليمين وعلى الشمال يتفصدُ عرقًا وهذا يدل على شدة وكثرة معاناة التعب عند نزول الوحي.

اقرأ أيضا:

شرح حديث أتدرون ما الغيبة

شرح حديث الحلال بين والحرام بين

شرح حديث اذا دخل اهل الجنة الجنة

ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان

شرح حديث والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه

 

شرح حديث صلصلة الجرس

مسألة الوحي والعلم بكيفية الوحي سر من الأسرار لا يدركها العقل ويجب الإيمان بها والتسليم، وهكذا هو أصل من أصول اعتقاد أهل السُنة والجماعة التسليم لما جاء في الكتاب والسُنة من الغيبيات التسليم الإيمان والتسليم وعدم السؤال عن الكيفية فيما يتعلق بالغيبيات فيما يتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته و أمور الغيبيات كالبرزخ وغيرها ما دام ما أخبرنا الله عز وجل عنها فلا يجوز السؤال فيها لأنه لا يدركها العقل هي أسرار يجب الإيمان والتسليم يجب الإيمان والتسليم بها على ظاهرها على ظاهرها من غير تأويل ولا تحريف ولا تعطيف.

 

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ به لسانَك} [القيامة: 16]، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعالِجُ مِن التنزيل شِدَّةً، وكان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ» فقال لي ابنُ عباس رضي الله عنه: فأنا أُحَرِّكُهما لك كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهما فأنزل الله عز وجل {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال جمعه لك في صدرك وتقرأه فإذا قرأناه فتبع قرآنه قال فأستمع له وأنصت ثم أن علينا بيانه ثم أن علينا أن تقرأه فكان رسول الله (ﷺ) بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع فإذا أنطلق جبريل عليه الصلاة والسلام قرأه النبي (ﷺ) كما قرأه.

الشارح: أحسنت، ذكر الإمام البخاري -رحمه الله- هذا الحديث في كتاب بدء الوحي، لأن فيه ذكر الوحي الحديث فيه ذكر جبريل عليه السلام وهو هذا الحديث حديثُ عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما – الحبل بتُرجمان القرآن وأحد المكثرين من الصحابة من الأحاديث في صحيح الإمام البخاري -رحمه الله- له مئتان وسبعة عشر حديثًا توفيَ -رضي الله عنه- في السنة الثامنة والستين سنة ثمانٍ وستين للهجرة -رضي الله عنه- كان من علماء الصحابة دعى له النبي (ﷺ).

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى يعني في تفسير قوله تعالى {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} فكان (ﷺ) إذا نزل الوحي في القرآن كان يحرك شفتيه (ﷺ) يستعجل تلاوته، قال كان رسول الله (ﷺ) يُعالجُ من التنزيل شدة المعالجة هي محاولة الشيء بمشقة في لغة العرب محاولة الشيء بمشقة هذه هي المعالجة فكان يجد مشقة في قراءة القرآن يعالج من التنزيل شدة مشقة شديدة وكان مما يُحرك شفتيه وكان ربما يحرك كثيرًا شفتيه (ﷺ) فقال هنا الراوي عن ابن عباس سعيد بن جبير -رحمه الله- من تلاميذ ابن عباس فقال ابن عباس هذا قول سعيد بن جبير قال فقال ابن عباس فأنا احركهما كما كان رسول الله (ﷺ) يحركهما تتبع لرسول الله (ﷺ) فكان (ﷺ) يحرك شفتيه في أثناء تلاوة القرآن فابن عباس أيضًا تبعه يحرك شفتيه أيضًا كما كان رسول الله (ﷺ) يحركهما يدل على أن الصحابة – رضي الله- عنهم كانوا أكثر اتباعًا لرسول الله (ﷺ) يتتبعونه (ﷺ) في أقواله وفي أفعاله فما كانوا يفعلون من أمرهم من عند أنفسهم فيأتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ويريد أن يُقبّل الحجر الأسود فيكلم الحجر الأسود يقول لولا أني رأيت رسول الله (ﷺ) يُقبّلك ما قبّلتك تِبَاعًا لرسول الله (ﷺ) وهكذا جاء عن الصحابة.

فالصحابةُ أشدّ الناس اتباعًا ومحبة لرسول الله (ﷺ) وهم أعلم الناس بهذا الدين وهم أكثر الناس خوفًا من الله عز وجل وأعلم الناس بلغة القرآن نزل القرآن بلغتهم بلغة قريش فهم أعلم الناس بهذا الدين، ولذلك يجب اتباعهم اتباع منهجهم واتباع فهمهم لكتاب الله وسنةِ رسول الله (ﷺ) ولهذا الدين كله لا نخرج عن أقوالهم ولا عن فهمهم ولا عن منهجهم فمن أراد النجاةً فعليه أن يسلك طريقهم ولا يخالف طريقهم، والنبي (ﷺ) أثنى عليهم وذكر أنهم هم الفرقة الناجية إنما أخبر عن ثلاثٍ وسبعين فرقة لهذه الأُمّة فلما سألوه قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي فالصحابة رضي الله عنهم الدين الذي كانوا عليه هو طريق النجاة هو الصراط المستقيم فعلينا أن نتعلم فَهمهم ومنهجهم ونسير على خطاهم إذا أردنا النجاة، ولذلك كانوا اتبع الناس لرسول الله (ﷺ) وأكثر الناس حبًا له (ﷺ) يفدونه بأرواحهم (ﷺ)، قال فأنا أحركهما كما كان رسول الله (ﷺ) يُحركهما أُحرك شفتيٰ كما كان رسول الله (ﷺ) يحرك شفتيه وهذا ذكرهُ العلماء مثال على حديث المسلسل كما في مصطلح الحديث مثال عليه، لأنه تسلسل فسعيد بن جبير أيضًا روى نفس الحديث وكان أيضًا يحرك شفتيه وهكذا من بعد من أخذ عن سعيد بن جبير -رحمه الله- ثم توقف بعد ذلك التسلسل فهو مثال على التسلسل بتحريك الشفاه إن صحَّ ذلك.

قال فأنزل الله عز وجل {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}  به كان (ﷺ) يحرك شفتيه يستعجل قراءة القرآن وجبريل ينزل القرآن عليه يوحي إليه بهذا القرآن لكنه كان يستعجل (ﷺ) فالله عز وجل نهاه عن ذلك قال لا تحرك به لسانك لتعجل به لتأخُذه على عجلة { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال جمعهُ لك في صدرك يسهل عليك، فالله عز وجل هو الذي سيجمعه في صدرك يا محمد وتقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } يعني إذا قرأناه بلسان جبريل عليك فاتبع قرآنه فاتبع قراءة جبريل عليه السلام قال فاستمع له وأنصت استمع لا تنشغل بتحريك شفتيك إذا أخبرك جبريل وأنزل عليك القرآن قال {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}؛ ثم إن علينا أن تقرأهُ.

قال المفسرون أي علينا بيان ما أُشكل عليك من معانيه، فالله عز وجل تكفل ببيان معانيه في قلب رسول الله (ﷺ) فكان رسول الله (ﷺ) بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع لا يُحرك شفتيه فإذا أنطلق جبريل قرأه النبي (ﷺ) كما قرأهُ جبريل عليه السلام فإذا أتاه جبريل استمع بغير عجلة، فإذا أنطلق جبريل قرأهُ النبي (ﷺ) كما قرأه جبريل عليه السلام، و نقرأ أخر حديث.

اقرأ أيضا:

شرح حديث أتدرون ما الغيبة

شرح حديث الحلال بين والحرام بين

Scroll to Top