شرح حديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

لقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حبه وصداقته لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا يضاهي حب أبي بكر للنبي أي حب فقد أفنى حياته في سبيل الدفاع عن النبي ورسالته، وأصبح مفضلاً عن باقي الصحابة، وهذا ما ظهر جلياً في حديث النبي لو كنت متخذا خليلا وهو ما سوف نتناوله تفصيلاً في السطور التالية.

 

شرح حديث لو كنت متخذا خليلا

عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: “إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلاً ، كما اتخذ إبراهيم خليلاً . ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً ، لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك.”

 

شرح عبارة ” إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل”

في بداية شرح حديث لو كنت متخذا خليلا يتحدث النبي الكريم معلناً براءته وتخليه عن أن يكون له من أمته خليل، والخِلة هي أعظم وأعلى مراتب الحب، وقد اختص بها الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

هل النبي حبيب الله أم خليل الله؟

من الأقوال الشائعة أن سيدنا إبراهيم عليه السلام خليل الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم حبيب الله، ولكن هذا غير صحيح لأن فيه إنقاص من قدر النبي عليه الصلاة والسلام ومساواته بغيره من الأمة، فالله يحب المحسنين والمتقين والمتطهرين من عباده.

ولكن الله اختص إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم بالخلة، وذلك ما أشار إليه النبي في عبارة ” فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا” وفي هذه العبارة تعليل للجملة السابقة لها بأنه لن يتخذ خليلاً في قلبه سوى الله سبحانه وتعالى.

اقرأ: ما نزل بلاء إلا بذنب

 

شرح عبارة ” ولو كنت متخذا من أمتي خليلا”

يشير رسول الله في عبارة لو كنت متخذا خليلا إلى عدة أشياء من بينها إشارة  إلى خلافة أبي بكر، كما أنه يمتنع من اتخاذ أبي بكر رضي الله عنه خليلاً له على الرغم من المكانة العظيمة التي يتمتع بها في قلبه.

ويرجع ذلك إلى أن قلب النبي الكريم مملوء بخلة الله عز وجل ولا يتوكل أو يعتمد في كل أموره إلا عليه، وقد استخدم كلمة “لو” التي تفيد امتناع الجواب بامتناع الشرط، أي أن امتناعه من خلة أبي بكر لامتناعه عن اتخاذ أي خليل من الأمة من دون الله.

 

 

شرح عبارة” ألا وإن كان من قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم مساجد “

تبدأ العبارة بكلمة ” ألا ” التي تفيد التنبيه وذلك لتعظيم الأمر المنهي عنه، حيث كان اليهود والنصارى يولون قبور الأنبياء اهتماماً كبيراً حتى جعلوا منها أماكن العبادة، على الرغم من عدم وجود قبر للنبي عيسى عليه السلام في الأرض من الأصل، حيث أنه رفع إلى السماء وينزل في آخر الزمان كما دلت على ذلك الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة.

 

كما وردت كلمة “ألا” أيضاً في العبارة التالية” ألا فلا تتخذوا القبور مساجد” وهنا وردت بهدف النهي عن بناء المساجد فوق القبور، وأن من فعل ذلك لابد أن يهدم هذا المسجد لأن هذا الأمر يعد إحدى وسائل الشرك بالله أعاذكم الله.

 

كما استخدم النبي صيغة التوكيد في عبارة ” فإني أنهاكم” للتأكيد على قبح هذا الفعل وضرورة تجنب المسلمين القيام به لما يؤدي إليه من تعظيم القبور وعبادة أصحابهان واتخاذ القبور مساجد شامل بأن يدفن الميت في المسجد أو يبنى فوقه مسجدا.

اقرأ: القابض على دينه كالقابض على الجمر

 

الدروس المستفادة من الحديث

 يقدم حديث لو كنت متخذا خليلا بعض الدروس المستفادة التي تتمثل فيما يلي:

  • إثبات صفة الخلة لله عز وجل كما يليق بجلاله سبحانه فالله يحب عباده وعباده يحبونه.
  • مكانة الخليلين إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم عند الله سبحانه وتعالى.
  • مكانة أبي بكر الصديق واصطفاء النبي عليه الصلاة والسلام له عن كافة أمته، وتكليفه بالخلافة المنتظرة نصا منه أو إشارة منه على خلاف.
  • بناء المساجد فوق القبور من أفعال الأمم السابقة، وهي وسائل للشرك التي نهانا النبي الكريم عن فعلها.
  • تجنب بناء القباب والمقامات والصلاة عند القبور حذر الذهاب بالنفس والعقل إلى الشرك بالله.

 

كيف نال أبو بكر الصديق مكانته في قلب الرسول؟

إن حب أبي بكر للنبي وتفانيه في الدفاع عنه من أهم الأسباب التي جعلت له تلك المكانة في قلب رسول الله ومن أبرز تلك المواقف:

الدفاع عن النبي في قصة زوجة أبي لهب 

أنزل الله سبحانه وتعالى سورة المسد وورد فيها زوجة أبي لهب العوراء بنت جميل بن حرب في قوله تعالى ” وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ.”.

ظلت تبحث عن النبي الكريم حاملة في يدها حجر كي تضربه به، وكان النبي حينها يجلس مع أبي بكر الذي خشي كثيراً تعرض النبي للأذى، ثم قرأ النبي آيات القرآن التي عصمته من رؤيتها له.

 

فضائل أبو بكر الصديق

لم يقتصر حب أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه فقط، بل كان له العديد من الفضائل التي حصد بها محبة النبي الكريم حتى اختصه النبي بما يلي:

  • كان مثالاً يحتذى به في الصدق والأمانة حتى قال فيه النبي ” إنَّ مِن أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبا بَكْرٍ.”
  • اختصه النبي أن يبقى بابه مفتوحاً دون بقية الأبواب حين قال ” لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا خَوْخَةُ أبِي بكر.”
  • أمره النبي أن يصلي بالناس خلال فترة مرضه
  • طلب النبي من عائشة أن تطلب من أبيها وأخيها الحضور أثناء فترة مرضه لكتابة وصية النبي للخلافة، في قوله” ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ، أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فإنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ ويقولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ.”
  • كان أبو بكر أحب الرجال إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه بعد ذكر أم المؤمنين ” عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أبُوهَا، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا.”
  • بشره النبي الكريم بالجنة في قوله” مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ.”

حديث مفيد: شرح حديث لا تنزع الرحمة إلا من شقي

 

ما صحة حديث لو كنت متخذا خليلا؟

إن حديث لو كنت متخذا خليلا هو حديث صحيح رواه جندب بن عبد الله وورد في صحيحي البخاري ومسلم.

هل الخليل هو الحبيب؟

إن الخلة والمحبة تحملان معان متقاربة، إلا أن هناك اختصاص أكبر في الخلة عن المحبة كونها تدل على أعلى مراتب المحبة وأرفعها مقاماً، ويمكن الاستدلال بذلك براءة النبي في حديث لو كنت متخذا خليلا من وضع أي شخص في مكانة الخليل مهما بلغت محبته، وأن تلك المكانة لله عز وجل فقط.

 

هل الله له خليل؟

اختص الله الخلة لاثنين من عباده فقط وهما إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم وقد جاء إثبات خلة إبراهيم في قوله تعالى ” وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا.” ولكن الله جعل المحبة لجميع العباد لما تحمله الخلة من منزلة رفيعة.

 

في الختام، قدمنا لكم شرح حديث لو كنت متخذا خليلا الذي تناول عظمة العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، كما تناول خلة النبي عليه الصلاة والسلام لرب العالمين الذي اختصه بها دون العباد، بالإضافة إلى نهي اتباع الأمم السابقة في بناء المساجد فوق القبور وأنه أحد صور الشرك بالله.

شرح حديث المؤنسات الغاليات

 

Scroll to Top