إن التواضع هو إحدى الصفات الكريمة التي تعبر عن نقاء النفس وطهارتها، كما أن بها دعوة إلى المحبة والمودة فيما بينهم، ويعد التواضع لله أيضاً من القيم التي إذا تحراها العبد ارتفعت قيمته عند الله جل وعلا وذلك كما ورد في حديث النبي ما تواضع أحد إلا رفعه الله الذي نتناول شرحه بالتفصيل خلال السطور التالية.
شرح حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما نقَصت صَدقةٌ مِن مالٍ ، وما زادَ اللَّهُ رجلًا بعفوٍ إلَّا عزًّا ، وما تواضعَ أحدٌ للَّهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ.”
شرح عبارة ” ما نقصت صدقة من مال
يبدأ شرح حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله بالحديث عن فضل الصدقة، حيث أنها لا تسبب نقص المال كما يعتقد الإنسان وكما يعده الشيطان الذي ورد في قوله تعالى “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ.”
وفي تلك الآية يوسوس للإنسان بأنه سيعاني الفقر إذا تصدق، ويدفعه نحو الإمساك عن الصدقة، ولكن النبي يخبرنا بأن المال إذا نقص في الكم فإنه يزيد بركته
حيث أن الله يفتح لعباده أبواب الرزق كما ورد في قوله تعالى” وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.” وهنا تأتي كلمة يخلفه بمعنى يعوضه ويملأ المال بالبركة والنماء.
اقرأ أيضا: المؤنسات الغاليات
شرح عبارة ” وما زاد الله رجلاً بعفوٍ إلا عزاً
تشير هذه العبارة إلى أهمية قيمة العفو، حيث أن الإنسان إذا عفى عمن أوقع عليه ظلماً قد تسول له نفسه أن ذلك من الذل والاستسلام، وهنا يبين الرسول أن الله يرفع شأن ومكانة العافي عن الناس على الرغم من قدرته على الانتقام.
وهنا يحثنا على العفو على أن يكون مقيداً بالإصلاح، وذلك كما ورد في قوله تعالى” فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ ” لذلك لابد أن يكون العفو عن غير المفسدين، فلا يجوز العفو عن فاسد أو ظالم باق على ظلمه حتى لا يزيد في طغيانه.
شرح عبارة ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله
تتناول تلك العبارة مقصدين للتواضع:
يشير المقصد الأول إلى التواضع لدين رب العالمين وعدم الترفع عنه
كما يشير المقصد الثاني إلى التواضع للعباد دون غاية أو هدف أو خوف، لذلك تكون النتيجة هي حب الناس للمتواضع وحب الله له أيضاً ومكانته الرفيعة عنده.
اقرأ أيضا:
حديث مثل المؤمنين في تَوَادِّهِمْ وتراحمهم كمثل الجسد الواحد
شرح حديث من لا يشكر الناس لا يشكر الله
فوائد حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله
يتناول حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله العديد من الفوائد والتي تتمثل فيما يلي:
- يحثنا الحديث على تحري إنفاق الصدقات وجعلها سبباً هاماً في بركة المال وزيادته.
- الزيادة في المال ليست كمية فقط بل هي زيادة كيفية ييسر الله بها سبل الرزق لعباده، كما أنها تكون زيادة حسية بشمول البركة في هذا المال.
- الحث على التسامح والعفو عن المسيء الغير مفسد فقط.
- الحث على تحري التواضع وأنه ليس من صور الذل، ولكن يعز به الله من يحرص عليه.
- العزة بيد رب العالمين فقط يهبها لمن يشاء من عباده.
ما هو التواضع؟
يشير معنى التواضع في اللغة إلى التذلل، أما التواضع في الاصطلاح يشير إلى تجنب الإنسان بالتفاخر والمباهاة بما يمتلك من مال أو جاه أو بما لديه من فضائل، أي يتحرر الإنسان من إعجابه بذاته وكبره على الناس.
كما قيل في التواضع أنه التنازل عن المرتبة التي يستحقها للمطلوب تعظيمه، ويعني أيضاً التوسط بين الكِبر والضِعة، فالكبر هو الارتفاع بالنفس عن القدر المطلوب، والضعة هي تضييع الحق بالبقاء في مكانة مزرية.
أنواع التواضع
ينقسم التواضع إلى نوعين
الأول هو التواضع المحمود وهو تجنب التطاول على الغير والتقليل منهم
أما التواضع المذموم وهو التواضع للغير وتقليل الشأن بهدف الحصول على منافع دنيوية.
التواضع المحمود
يمكن تصنيف التواضع المحمود إلى ما يلي:
- القسم الأول هو تواضع العبد لله بالامتثال لأوامره وتجنب نواهيه، فالنفس قد تتباطأ في تنفيذ أوامر الله وقد تحاول الوصول إلى ما منعت منه، وهنا يكون تأديبها بالتواضع بالعبودية لله.
- أما عن القسم الثاني فهو التواضع لعزة الله وكبريائه، فكلما ارتفعت وتفاخرت نفسه ذكرها بعظمة رب العالمين، وغضبه على من ينازعه في كبريائه، وهنا يخضع قلبه وتنكسر نفسه تعظيماً لخالقها.
التواضع المذموم
إن المهانة هي إحدى صور التواضع المذموم، وهناك فرق بينها وبين التواضع، فالتواضع هو خلق ينبع من إجلال رب العالمين وتعظيمه والخضوع له، كما يتولد من معرفة الإنسان بنفسه وإدراكه عيوبها.
وهنا يكون التواضع هو تهذيب النفس وانكسارها لله، كما يظهر جلياً في عدم التكبر على الناس وعدم الشعور بفضله عليهم، بل يجب أن يقدم حقوقهم عليه.
أما المهانة فهي القلة والدناءة، وتعويد النفس على التذلل للحصول على شهواتها، وأن يقوم المفعول به بالتواضع للفاعل، ويمكن وصف ذلك بالضعة ولا يوصف بالتواضع وذلك ضمن صور التواضع المذموم.
كيف حثنا الإسلام على التواضع؟
حثنا الإسلام على التخلق بفضيلة التواضع، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية كما يلي:
التواضع في القرآن الكريم
يخاطب الله عباده ويحثهم على التواضع في قوله تعالى” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا.” ويشير رب العالمين أنه من صفات المؤمنين به التواضع وعدم التباهي والتفاخر بالنفس، وجاءت كلمة هوناً بفتح الهاء دليلاً واضحاً على اللين والرفق.
كما قال سبحانه وتعالى ” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ.” وهنا تشير الآية إلى أنه من صفات المؤمن التواضع لأخيه ولكن لابد أن يحرص على الشدة مع أعدائه وخصومه.
وقال عز وجل أيضاً في التواضع للوالدين” وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.” وهنا يحثنا رب العالمين على تواضع الأبناء للوالدين من باب تكريمهم والرحمة بهم بهدف نيل عظيم الجزاء.
التواضع في السنة النبوية
لم يقتصر تناول السنة النبوية للتواضع على حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله فقط، ولكن هناك بعض الأحاديث النبوية التي تحث على التواضع، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ.”
وهنا يحثنا الحديث على الالتزام بالتواضع بين الناس، حيث يتواضع الكبير للصغير بالإحسان إليه والعطف عليه، ويتواضع الصغير للكبير باحترامه وتبجيله.
وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في التواضع أيضاً” مَن ترك اللِّباس تواضعًا للَّه، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيِّره مِن أيِّ حلل الإيمان شاء يلبسها.”
وهنا يشير الحديث إلى أنه إذا كان الإنسان وسط إخوة غير قادرين على ارتداء ملابس فخمة وجب ارتداء نفس ملابسهم لعدم التقليل منهم، وإذا كان بين إخوة يستطيعون ارتداء أرقى الملابس لابد من التشبه بهم إذا كانت ملابسهم لا تغضب الله.
ما صحة حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله؟
إن حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله هو حديث صحيح رواه أبو هريرة، مصدره صحيح البخاري وأخرجه مسلم أيضا.
ما هو فضل التواضع؟
إن التواضع من صور الإيمان والتحلي بمكارم الأخلاق، كما أنه وسيلة لنشر الشعور بالمحبة والتراحم بين الناس، والقضاء على مشاعر البغض والحسد والكراهية.
ما هي صفات الشخص المتواضع؟
إن من أهم صفات المتواضع تعاطفه مع الغير، وشعوره بالرضا والسعادة، وبذل الجهد للغير والنفس أيضاً، كما يعد من أفضل الأشخاص للمناصب القيادية، والمتواضع شخص محبوب من الناس ومن رب العالمين عالي المنزلة في الدنيا والآخرة.
في الختام، قدمنا لكم شرح حديث ما تواضع أحد إلا رفعه الله الذي تناول العديد من القيم المحمودة مثل العفو والصدقة والتواضع الذي يعد من أفضل الأخلاق التي يجب أن نتحلى بها وكان خير مثال له النبي صلى الله عليه وسلم.